المسح الحكومى الذى أجراه مركز العقد الاجتماعى التابع لمركز المعلومات بمجلس الوزراء عن آراء المواطنين فى الفساد فى مصر لم يأت بجديد، فالفساد أصبح أسلوب حياة ومنهج عمل يومى يواجهه المصريون فى حياتهم اليومية، وبالتالى ليس هناك بد من التآلف والتعايش معه. وهذا ما يكشفه المسح، فنسبة 55% قالوا إن الفساد أصبح جزءاً من حياتهم والرشاوى والإكراميات هى اللغة السائدة فى كافة تعاملاتهم مع الجهات الحكومية، وخاصة فى المرور والشرطة.
المسح يضيف اعترافاً جديداً من الحكومة بعد الدراسة التى أجرتها منذ 3 سنوات عن الفساد الإدارى فى مصر، ويؤكد الأرقام السنوية للأجهزة الرقابية المعنية عن الفساد. فهناك حوالى 70 ألف قضية فساد سنوية، أى بمعدل قضية فساد كل دقيقتين، وتتذيل مصر دائما المراتب الأخيرة بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى مؤشر مكافحة الفساد الذى يصدر عن البنك الدولى.
طيب وبعدين.. وما الفائدة من المسح والتشخيص لحالة الفساد المزمنة طالما أن استراتيجية المواجهة والحرب ضد الفساد غائبة رغم تعدد جهات الرقابة فى مصر، وأن محاولات الحكومة لا تلقى ثقة من الناس، وتبقى الإعلان عن إجراءات للقضاء على الفساد مجرد محاولة لغسل السمعة أو غسيل الفساد، وبالتالى سيظل الفساد وتهدر مياه الغسل، كما قال الراحل المبدع يوسف إدريس "لا تغسلوا الوحل لأنه سوف يظل وحلا".
فالفساد أصبح وحشاً أسطورياً ينشب بأظفاره فى كل مكان ومنظومة متكاملة متشابكة ومتداخلة فى السلطة وخارجها، ومن القمة إلى القاعدة، ولا يعرف أحد من أين يبدأ وإلى أين ينتهى، والكل يدركه ويتعايش معه، ولا يحتاج إلى مسح أو دراسة فليس بعد الكفر ذنب، ولا اجتهاد مع نص واضح.
الحكومة تبرر الفساد بقلة ضمير صغار الموظفين، وتتجاهل صناعه ورؤوسه الكبيرة التى تنسج حولها الأساطير، ويضرب بها المثل فى الفساد والإفساد فى مصر.
بالتأكيد لا يمكن إنكار حجم الفساد الإدارى الذى يعشش فى جميع أركان المؤسسات والهيئات الحكومية فى مصر، وأبطاله صغار الموظفين لكن لنا أن نتساءل: ومن أين تدفق هذا الفساد ومن دفع هؤلاء الموظفين وشجعهم على الفساد الصغير إلا إذا كانت لديهم قناعة ويقين بأن كبارهم فاسدون، وأن رب البيت للفساد عاشق.
فالدراسات والمسوح التى تجريها الحكومة تتهم فيها دائما البيروقراطية الصغيرة المغلوب على أمرها، وتتجاهل الثعالب الكبيرة التى تنام عنها النواطير، وتغفل عنها العيون، ولن تنفع أى خطط للتنمية فى ظل وجود هؤلاء إلا إذا كانت هذه الخطط لتنمية الفساد، وليست تنمية مجتمع، والفارق شاسع بين الجانبين طالما ظلت الحالة الفسادية دون ردع ومواجهة حقيقية، وبقوانين تطبق على الكبير قبل الصغير.
كل الدول التى بليت بالفساد انهارت رغم ثرواتها الهائلة، وضاعت محاولات الإصلاح فيها هباء منثوراً.