الأعوام لا ترحل هكذا!، لا ترحل مثل عصفور خرج فى رحلة شتاء فلا يعود، لا ترحل مثل نقطة مطر تهبط من السماء فلا يبقى لها أثر، لا ترحل مثل زهرة تزهر فتجف وتسقط ولا تترك خلفها ولو بعض عطر!
الأعوام.. ترحل إلى الذاكرة، تصنع لها بيتا وقصيدة وأغنية وجرحا وتبقى، مهما مر من عمر تبقى، مهما مر من أزمنة تبقى، مهما مر من أعوام تالية تبقى.
فى مفترق الأعوام، على أبوابها الخشبية المنقوشة بالأحداث والأمنيات، ونحن نوصد باب وداع أو نفتح باب ترحيب، ونحن نسلم عاما ونتسلم آخر، ونحن نبكى على فراق ما لا يعود ونأمل فى أيام لم تأت بعد، فى لحظة كتلك.. ننظر خلفنا فى أسى، دائما فى أسى، فقد فقدنا من العمر.. عاما، ومن الحلم.. اثنى عشر شهرا، ومن فرصتنا فى الحياة.. أربعة فصول، نتذكر.. نحاول أن نتذكر.. ماذا أضفنا وماذا فقدنا؟.. ماذا كان معنا وماذا أصبح معنا؟ ماذا فعلنا بأنفسنا وماذا فعلت الأيام بنا؟
فى نهاية عام، فى ديسمبر، فى الأوراق الأخيرة من نتيجة الحائط، فى الأيام التى يصبح لها طعم القطرات المتبقية فى فنجان قهوتنا، فى النظرة التى تشبه وداع حبيب.. نصبح كالدراويش فى حلقة ذكر.. نصفنا مستيقظ ونصفنا فى غيبوبة، ننظر للماضى فى عتاب مدهش، كما ننظر للقادم فى حلم مفرط.
ليس كل الماضى متهما بالخيانة لأنه لم يحقق كل ما نحلم به، ففى الماضى ولو كان قاسيا كثير من الأشياء الجميلة التى تحققت حتما فيه، يوم سعيد أو مفاجأة مدهشة أو هدية من السماء جاءت فى غير موعدها!
على الأقل.. أنت لاتزال على قيد الحياة، قادر على أن تفكر وأن تحب وأن تغضب وأن تسافر وأن تنجح وأن تحلم.
وأهم ما فى الماضى دروسه التى تركها لنا فى آخر أيام السنة، دروس يجب أن نتذكرها ونتعلم منها ونتجنب أخطاءها، يجب أن نقفز منها إلى آمال كبيرة وعظيمة، وأن نكون على مستوى العام الجديد.
كلنا فى ديسمبر، نحلم.
نحلم بما ضاع.. ونحلم بما نريد أن نحققه فى السنة الجديدة، نحلم بالصور التى لن تتكرر.. ونحلم بالصور التى نتمنى أن نرسمها، ديسمبر.. يشبه بطاقات السفر التى تبقى معنا فى نهاية الرحلة، فنحتفظ بها فى أوراقنا القديمة على أمل أن نحجز بطاقات سفر جديدة لرحلة جديدة.
وكلنا فى ديسمبر، نخطط للعام الجديد ولو بخطوط من خيال، بعضنا يتركها مجرد خطوط رمادية.. وبعضنا يلونها فيمنحها معنى ويؤكد على أنه جاد فى تحويل الخيال إلى حقيقة، ديسمبر شهر الأمنيات الطيبة.. شهر الأحلام الممكنة، ولو لم نحلم ونتمنى فى ديسمبر.. فمتى يكون الحلم والأمنية؟
إنه ديسمبر ياصديقى.. اجلس واكتب ماذا فعلت فى عام يمضى، وعلق أمنيات العام الجديد على باب غرفتك لتفرح.. مهم أن تفرح.. واحتفل أنه.. كما فى العمر نهاية اسمها ديسمبر، هناك بداية اسمها يناير.
حب عمرك فى كل أعوامه.. وحب أحلامك فى كل شهور السنة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة