الشهادات المعلنة من قضاة اللجنة العليا للانتخابات، لا تزال قليلة، لكنها معبرة عما جرى يوم الانتخابات، التى لا يمكن أن تحمل اسم انتخابات بأى حال من الأحوال، والحقيقة أن شهادات القضاة وحكاياتهم، وهى غير رسمية، تعنى أن اللجنة العليا للانتخابات، للأسف مجرد صورة أو ستار، جرت خلفه، عمليات التلاعب فى الأصوات بشكل ربما يكون غير مسبوق فى تاريخ مصر.
وبالرغم من حالة التكتم المفروضة على اللجنة العليا للانتخابات والقضاة المشاركين فى اللجان العامة، والتزام الكثير من القضاة بعدم الخوض فى التفاصيل، إلا أن الكثير من الوقائع التى تناثرت حتى الآن عن طريقة التعامل مع القضاة والانتخابات تكشف أن ما تم فى العديد من الدوائر من منع للقضاة وحصار لهم، وحرمانهم من الحماية الضرورية، وتحذير بعضهم من التجول فى اللجان الساخنة، خوفا على حياتهم، كل هذا يكفى للبرهنة على أن ما جرى فى الجولة الأولى لا يمكن أن يكون انتخابات، ولا اقتراعًا، لكنه نوع من العبث الواضح وسرقة إرادة الناخبين.
جاءت رواية قاضى العريش، الذى اعتذر عن الانتخابات كمثال، قال المستشار أيمن الوردانى إنه تلقى شكوى من الناخبين بأن المدرسة مغلقة أمامهم ولما ذهب وجدها مغلقة ويتم تقفيل الصناديق وتسويد البطاقات، وقال إنه تم منعه من الدخول، ولما رفع تقريره إلى اللجنة العامة واللجنة العليا لم يتم التحقيق فى التقرير، بل ولم يتم استبعاد الصناديق المزيفة، وهذا فى لجنة واحدة، إذا أضفنا إليها ما جرى فى لجان البدرشين والتى تم فيها منع القاضى وحصاره من ضابط، واللجان التى تم فيها حصار القضاة ومنعهم من الحركة.
مع الأخذ فى الاعتبار أن اللجنة العليا قالت إنها لم تتلق شكاوى أو أنه تم منع القضاة من الحركة بدعوى أن هذا خوف على حياتهم، بل إن المستشار أحمد شوقى، رئيس غرفة عمليات اللجنة العليا للانتخابات أقر بهذا، وقال القضاة إنهم كانوا تحت ضغط نفسى.
ما الذى تبقى للجنة العليا لتفعله؟، والأخطر ما طرحه القضاة أنه تم وضع مقار اللجان العامة فى أقسام الشرطة ومديريات الأمن فى مكان يصعب فيه على المواطن أن يذهب ليشكو، ثم إن الحماية المقررة لم تكن كافية، وهذا ليس لنقص فى أعداد قوات الأمن لأنهم متوافرون فى كل مكان وبزيادة.
التجربة حتى الآن تعنى أنه لم يكن هناك إشراف على الانتخابات، وأن فكرة اللجنة العليا التى جاءت بعد إلغاء الإشراف القضائى بتعديل تشريعى تم "بليل"، إنما كان الهدف منها إنهاء فكرة الانتخاب وفتح الباب لملء الصناديق، بلا أى رقابة ولا شهود.. فهل يمكن أن يكون ما جرى انتخابات؟. لقد تفوق المجلس الأعلى للتقفيل، على كل اللجان العليا.
القضية ليست فقط فى الإشراف القضائى، بل فى التدخل الحكومى لصالح المرشحين، وأظن أنه لو سجل كل القضاة شهاداتهم، لاكتشفنا أن ما تم أقل من أن يسمى تمثيلية سيئة الإخراج والتأليف والتمثيل، وأن الحزب الوطنى لا يجيد حتى أدوات التمثيل السياسى ولا البرلمانى.. وكانت اللجنة العليا شاهدًا، شاف كل حاجة، لكنه لم ير أى حاجة.