لا أظن أن من مصلحة النظام الحاكم فى السودان بيع بضاعة من الصعب إيجاد زبون لها، ربما كان هذا الزبون موجودا فى الخمسينيات والستينيات، زمن حركات التحرر ضد الاستعمار، بل وربما كانت هذه البضاعة منطقية، فالدول التى نالت استقلالها كانت ترسخ وجودها فى العالم، فى ظل قوى استعمارية تناضل لبقائها بشكل أو آخر مثلما كانت.
ناهيك عن أن الشعوب وقتها كان يخطفها الحلم، حلم الاستقلال والذى لابد أن يليه بالضرورة الحرية والعدل.. ألم يخرج الحكام الأجانب إلى غير رجعة.. ألم تنته العقبة الكبرى، أليس الذى يحكم البلد الآن من أهلها؟!
لكن الدنيا تغيرت فالذين قادوا حركات التحرر لم يحققوا الأحلام، ومعظم من تولوا السلطة للأسف كانوا أقل بكثير من طموحات الشعوب. بل وفى أحيان كثيرة تحولوا إلى ديكتاتورية أشد شراسة من الاستعمار ذاته مستندين فقط إلى العداء للقوى الاستعمارية، ومستندين إلى خطاب زاعق باعتبارهم يواجهون المؤامرات الغربية الاستعمارية الإمبريالية.. الخ. دون أن ينتبهوا إلى أن الشعوب، فى تقديرى، لا يمكنها أن تعيش إلى الأبد على تجارة العداء، لأنها تريد الحرية والعدل، قد تنظر كثيرا، قد تتحمل كثيرا، لكنها لن تظل هكذا إلى الأبد.
نائب الرئيس السودانى على عثمان طه قال الكثير فى لقاء مع صحفيين وسياسيين ومثقفين أول أمس، لكنه طوال الوقت كان مشغولا، أو بمعنى أدق مستندا على هذا الخطاب القديم، العداء للقوى الاستعمارية الكبرى، وكيفية مواجهة مؤامرتها الخبيثة ضد شعوب المنطقة العربية، ولابد وحتما من اتحاد الأمة العربية والإسلامية للتصدى لها وهزيمتها.
هل هذا يعنى أن الخطاب القديم كله باطل؟
بالطبع لا، فالطبيعى أن الغرب له مصالح يدافع عنها، والطبيعى من أى نظام حكم أن يخوض صراعا للوصول إلى توازن يحقق به كل ما يستطيعه من مصالح للشعب. لكن الأمر يحتاج إلى تغيير فى الأولويات، فالهدف الأول لأى شعب هو الحصول على الحرية والعدل، وإذا لم يتحقق ذلك بشكل كافٍ، من قبل السلطة الحاكمة، وإذا لم يكن هناك طريق واضح للوصول إلى هذا الحلم، تصبح الثرثرة حول المؤامرات الغربية الاستعمارية الخبيثة نوعاً من اللغو، أى تجارة العداء المستفيد الأول منها من يريدون الحكم للأبد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة