لا يوجد من يصلح لتولى الرئاسة فى مصر حاليا.. من الصعب العثور على شخص يمكن أن يتولى هذه المسئوليات الضخمة التى تتعلق بمصالح 80 مليون مواطن.. الرئاسة ليست منصبا هينا حتى يترشح له كل من هب ودب.. يجب أن تكون هناك شروط وضمانات، تنظم هذه المسألة.. هذا الكلام يقوله رجال الحكومة والحزب حتى يبرروا المبايعة، ويقوله أيضا آخرون، ولديهم مخاوف من المجهول.. والسبب فى الغالب أن ربع قرن مر دون تغيير فى السياسات أو الوجوه. زرعت شعورا زائفا بالعجز.
وبالطبع ليس كل الناس يصلحون أو يحبون أن يصبحوا رؤساء جمهوريات، تماما مثلما لا يمكن أن يكون كل الناس أطباء أو مهندسين أو مدرسين أو تجارا.. ومن الطبيعى أن من يرشح نفسه يجد فيها ميزات تؤهله لذلك، ومن يفكر فى ذلك ليس بالضرورة مختلا أو مجنونا.. ومصر كانت طوال الوقت تجد من يحكمها، ولا يمكن أن يكون الثمانون مليون مصرى من المجانين والعاجزين للدرجة التى لا يوجد بينهم من يصلح لتولى الرئاسة أو الوزارة.
كان هناك دائما رؤساء، وسوف يكون هناك فى كل مرة. ثم إن دول العالم تواصل وجودها وليس لديها الحزب الحاكم، وتمارس حياتها بالانتخاب، يأتى الرئيس ويذهب بعد انتهاء مدته ليأتى غيره. ولم يحدث أن اتهم مرشح بالجنون أو العجز.
منصب الرئيس صعب لكنه غير مستحيل، ويزيد من صعوبته أن يمارس الرئيس اختصاصاته ومعها اختصاصات الحكومة والبرلمان والهيئات والمؤسسات الأخرى. وفى الدول الحديثة هناك اختصاصات واضحة للرئيس وأخرى للحكومة وثالثة للبرلمان. وهناك القضاء الذى يفصل فى الخلاف بين المواطنين وبعضهم، أو بينهم وبين الدولة والحكومة. وتأتى الصعوبة من الخلط والتداخل بين السلطات. وهى أمور تزيد من صعوبة المنصب، وتهمش دور الآخرين. وتجعل البعض يتصور أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان.
والطبيعى أن يكون هناك برلمان حقيقى، وسلطة تنفيذية حقيقية، وقضاء حر. مع تحديد مسئوليات ومهام كل طرف بحيث لا يطغى واحد على الآخر. وفى هذه الحالة يكون الحكم أمرا ميسورا ومعقولا، وممكنا. لكن عندنا الرئيس يفعل كل شىء، بدءا من الدعوة لتعديل الدستور والإشراف القضائى على الانتخابات وصولا لإصدار قرارات العلاج على نفقة الدولة، أو تطوير التعليم. ناهيك عن استقبال الرؤساء والسفراء والمبعوثين. والقاء الخطابات فى كل المناسبات، وتسليم الجوائز. ورئاسة اجتماعات الحكومة والمجموعات الاقتصادية والسياسية. ورئاسة الحزب الحاكم، والسفر للخارج، والاشتراك فى المفاوضات، بالإضافة إلى المهام المنصوص عليها فى الدستور وهى كثيرة.. يصعب على فرد آو مجموعة أفراد ان يقوموا بها.
وبهذا الشكل لا يمكن اكتشاف من يصلح لهذا المنصب إلا من هو فيه أصلا، ويعيدنا إلى التساؤل إذا اعتبرنا أن الرئيس مبارك إنسان ذو قدرات خاصة، علينا أن نفترض أن من سيأتى للرئاسة لا يملك هذه القدرات، وبالتالى من الأفضل أن يتطرق تغيير البنية السياسية إلى تحديد واضح لمسئوليات الرئاسة، والحكومة وغيرها، حتى يمكن ان يصبح منصب الرئيس ممكنا. ساعتها يمكن لأى شخص ان يرشح نفسه. دون أن نعتبره مجنونا. وتصبح الرئاسة مسألة ممكنة.