نشيد بلادى بلادى العظيم و«البرادعى ميه ميه..جاى يحاسب الحرامية» والوجوه المترقبة الصادقة والشباب ولافتات الأقاليم وبعض رموز المعارضة، كانوا فى استقبال الدكتور محمد البرادعى، المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية فى مطار القاهرة، المشهد مفرح ويؤكد على منزلة الرجل الكبيرة فى قلوب الناس، قناة الجزيرة قالت إن ثلاثة آلاف كانوا فى انتظاره، والمصرى اليوم قالت إنهم ألف، والشروق لم تفصح عن العدد، والصحف القومية قرأت الأخبار كالعادة فى الصحف المستقلة، شقيق البرادعى على قال إن أخاه وقف ضد أمريكا والغرب وتحداهما فى حرب العراق و«أظن أن وقوفه ضد النظام ليس معضلة»، الإسكندرية (ممثلة فى سكرتير حزب الغد) اعتبرت عودته تحريكا للمياه الراكدة، أما أسيوط (ممثلة فى جمال أسعد المفكر القبطى) فاعتبرت الالتفاف حوله بهذا الشكل يؤكد على فشل الحياة السياسية وموت الأحزاب (تصنيف المحافظات هذا من افتكاسات المصرى اليوم)، أيمن نور قال فى بورسعيد إنه سيتنازل للبرادعى عن الرئاسة إذا قرر الترشح عن حزب الغد، واعتبر سعد الدين إبراهيم دخول الرجل المعترك عودة لـ«السياسة» فى المجتمع المصرى، وكتب أصدقاء كثيرون عن سوء الأحوال فى مصر، كأنهم اكتشفوا ذلك فجأة !. الاستعداد للاستقبال أخذ وقتا طويلا على الفيس بوك والصحف والفضائيات، والتخوف الغريزى من النظام وأمنه جعل الذين ذهبوا يشعرون أنهم يخوضون معركة، عاد الرجل بابتسامته الرائعة وشكر مستقبليه، وسبقته البرامج التى سجل لها، هو يقول كلاما رائعا، ولكنه ليس جديدا، ويعلم الجميع أن «طلباته» لكى يصبح رئيسا للجمهورية لن تحدث فى العامين المقبلين، ويوجد فى قرارة نفس المحبين للتغيير وللرجل وأنا بينهم، الجملة الخالدة «لتكن معركة»، نحن نعرف أننا نعيش خمولا سياسيا ممتد المفعول، وأن أحزابنا ما هى إلا دكاكين تدار بخيال النظم الشمولية، وبناء عليه أصبح البرادعى مرشحا رمزيا وليس حقيقيا، وجاء ظهوره على حد تعبير وحيد عبدالمجيد فى المصرى اليوم نتيجة للفراغ السياسى وليس سعيا إلى ملء هذا الفراغ فعليا، وتجسيدا لأزمة ممتدة على مدى عقود ظل التنافس الحر محظورا فيها، والأحزاب مقيدة وتائهة لا تعرف لها طريقا على نحو أفقدها المقومات الأساسية للحضور الفاعل.
المؤكد - من مشاهدة الوجوه الصادقة فى المطار - أن الذين يريدون التغيير «استسهلوا» الأمر ويريدونه على طبق من فضة، دون أن يدفعوا ضريبة، وتعاملوا مع النظام على أنه ضعيف (وبعضهم يقول إنه يترنح)، نحن نعرف أنه مستبد ولكنه ليس ضعيفا، ونعرف أنه لن يفرط فى السلطة بالسهولة التى يظنها الفضائيون، عماد الدين حسين كتب مقالا جميلا فى «الشروق» طالب فيه بوجود نخبة مثقفة حقيقية غير التى تم تهجينها، ونصح البرادعى بالانخراط مع الجادين وليس المهرجين فى البدء بعملية منظمة بحثا عن التغيير، وللأسف لم يشر عماد إلى أن النخبة الحقيقية موجودة وتنتج فى كافة المجالات ولا يوجد عندها وقت لبرامج التوك شو وحمل توكيلات الوطنية التى يرعاها النظام ورجال أعماله وقوى إقليمية «بتعمل شغل»، عادل حمودة فى «الفجر» قدم نصائح للنظام بعد أن «استسلمت المعارضة للبرادعى دون شروط» وقال إنه لو كان من الرئيس لاستقبله ولو كان من التليفزيون (أى لو أصبح تليفزيونا) لسارع بالحوار معه، بدلا من «الختان القسرى» للمؤيدين له، ويراهن - وأشك أن هذا رأيه- أن الإعلام سينصب مولد البرادعى وسيقاتل فى سبيل الحصول على صورة منه أو حوار معه، ثم يشعر الجمهور بالملل، ويبحث عن وليمة أخرى «جريمة قتل على طريقة سوزان تميم، فتنة طائفية أقوى من حادث نجع حمادى»، وهذا كلام فيه استخفاف بالجمهور المكون من 80 مليونا ذهب منه 3000 (إذا كانت الجزيرة صادقة) إلى مطار القاهرة.
البرادعى رجل عظيم لاشك، يحب الخير لبلده، ولكن عليه أن يبتعد عن النخبة المعارضة التقليدية، التى شاركت النظام فى إغلاق النوافذ، لأنه طاقة كبيرة يحتاجها المجتمع لتحديث الخيال.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة