قلنا وما زلنا نقول إن الدستور والقانون مع تعيين المرأة فى منصب القاضى، وقد تأخرت مصر كثيرا عن هذا الاتجاه، وسبقتنا دول أوربية وعربية. ولهذا يبدو الجدل الدائر فى مجلس الدولة حول هذا الأمر جدلا خارج سياق الدستور والقانون. لكن نقاشا مجتمعيا يعكس وجود ازدواجية وتناقض فى النظر للمرأة. يظهر للمرة الأولى بشكل علنى، فى مؤسسة مصرية عريقة، بما مثل صدمة. لأن مجلس الدولة هو المكان الذى يلجأ له الأفراد لمواجهة القرارات الإدارية؛ لهذا بدا هذا الجدل تداخلا بين السلطات. فالدستور لا يفرق بين المواطنين بسبب الدين أو الجنس فى تولى الوظائف العامة، ومجلس الدولة كانت له الأسبقية فى إصدار أحكام لصالح مظاليم تم استبعادهم بسبب الواسطة والمحسوبية، ولا نلمح فى الدستور المصرى أى نص يعطى الجهات القضائية الحق فى منع مواطن او مواطنة من احتلال مكانة القاضى. وكان المفترض أن يتم إصلاح هذا بدلا من نقل جدل كهذا لايفيد صورة مؤسسة قضائية عريقة تمثل ملجا لكل من يتظلم أو يرفض أو يضار من القرارات الرسمية.
مجلس الدولة هو الجهة التى تحكم فى مواجهة الحكومة وكل الجهات الرسمية بل يفترض ان تلجا اليها المراة لالغاء ماتراه قرارا سلبيا بمنع توليها منصب القاضي. وربما ينتقل الجدل بهذا الشكل وفى حالة عدم حسمه الى المحكمة الدستورية العليا التى تحدد مدى دستورية القوانين.
وكنا نتصور ان ما جرى فى التصويت داخل الجمعية العمومية للمجلس مجرد مناقشة او راى لان القانون هو الذى يحكم هذا، والقانون من اختصاص السلطة التشريعية. ولم يصدر عننها اى تشريعات تمنع تعيين المراة قاضية لكنه كان عرفا غير منطقى مثل الكثير من الاعراف الخاطئة.
و يعتقد البعض ان عمل المراة يخصم من فرص الرجال، وان المراة لاتصلح لاسباب بيولوجية واجتماعية. ويستند البعض فى هذا الى افكار قبلية او اجتماعية انتهى زمانها، واثبتت التجارب ان تولى المراة للقضاء، مثل الرجل تماما لان كلاهما يحكم بالقانون ولا يشرعه. وقد راينا كيف منعت دول عربية مثل السعودية ان تقود المراة السيارة بلا منطق غير المنطق القبلى الذى يخالف العقل والمنطق، وراينا كيف قررت هذه السماح للمراة و عمل جامعات مشتركة بين البنين والبنات، ولم يتحول الامر الى فوضى . لانه جاء مع المنطق ولا يصح اى قانون يخلف الطبيعة البشرية. الغريب ان بعض من يعارضون تولى المراة لمنصب القاضى لايرون فى هذا تفرقة بين المواطنين، مع انهم او بعضهم يواجهون التمييز فى الوظائف، وفى الحياة، اى ان مظلومين يطالبون بتقنين الظلم.
وهذا الجدل يكشف عن اتجاه محافظ يتسع فى المجتمع ويعكس الى اى مدى تسزود افكار لا علاقة لها بالقانون.
وسوف نسمع اراء تؤيد مثل هذه الاتجاهات انعكاسا لافكار مستوردة تضرب الدولة المدنية ضربة قاضية.
ولانعرف الى اين ينتهى الجدل لكنا نعرف ان المراة ستاخذ حقها الدستورى والمنطقى فى تولى منصب القاضي، لكن هذا الجدل يكشف عن تحولات فى نخبة المجتمع بشكل يثير القلق، وتداخل بين السلطات من قبل اشخاص يفترض ان يكونوا اكثر وعيا به.