ينزعج الكثير من الأصدقاء الذين يعيشون فى الخارج من الإفراط الزائد فى التدين الذى يلمسونه فى كل مكان فى مصر، وبعض منهم يعتبره مؤشرا خطيرا على التخلف، وخاصة أنه فى رأيهم، وهذا إلى حد كبير صحيح، تدين شكلى، فهو لم يمنع الرشاوى والفساد والخشونة، ولم يجعل التعاملات أكثر إنسانية.. وربما لذلك تجد بعضا من هذا البعض يجعله يائسا من احتمالية التغيير والتقدم فى بلدنا.
المشكلة ليست بالطبع فى الدين، أى دين، ولا فى التدين، فهو أمر محمود، بل ومطلوب، فوجود علاقة وجدانية عميقة بين الإنسان والله، تجعله أكثر توازنا، وأكثر قدرة على التسامح والمودة والمحب، لكن المشكلة تبدأ عندما يتحول إلى تعصب أعمى، وعندما يتحول من التدين من علاقة مع الله جل علاه، إلى رخصة إلهية مزعومة لانتهاك حريات الآخرين وعكننة حياتهم.
لكن اللافت أن هذا الهوس لا يخص مصر وحدها، فقد نشبت صراعات تكاد تكون دموية فى ماليزيا بسبب رغبة بعض المتطرفين فى احتكار استخدام لفظ الجلالة "الله" على المسلمين وحدهم، بل وحول القضاء هناك هذا التطرف إلى حكم قضائى، وتعرضت 10 كنائس لهجمات.
فهذا الهوس المفرط ينتشر فى العالم بشكل مروع، فالاستفتاء الشعبى بمنع بناء الكنائس ليس فقط تعبيرا عن الخوف من الصورة النمطية للإسلام "الإرهابى"، ولكن فى جانب منه تعبير عن تطرف مسيحى يرفض وجود مآذن لديانة أخرى.
وعندما كنت فى زيارة لإيطاليا منذ عدة أشهر كانت هناك شكاوى عنيفة من زيادة مساحات التدخل من جانب الفاتيكان فى الحياة السياسية الإيطالية، بل وهناك من قال لى إنه لكى تحظى بموقع وزارى أو حتى فى انتخابات لابد من موافقة مباشرة أو ضمنية من جانب هذه المؤسسة الدينية العريقة.
ورغم هذا الهوس الذى يكتسح العالم، فالحقيقة أن التطرف المسلح أو الإرهابى يتراجع، فبلدنا تخطت هذه الموجة العنيفة، بل ويمكنك القول إنه تمت هزيمته فى العالم كله، فالتنظيم الأشهر القاعدة، تحول إلى فتات متناثر مبنى على إرادات أفراد هنا وهناك.
هنا المفارقة، الإرهاب المسلح ينهزم وهوس التدين الشكلى يتقدم ويكتسب مساحات. ما دلالة ذلك؟
أظن أن الأمر يحتاج إلى تأمل وتفكير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة