كنا الأفضل، لأننا نحب اللعب، ولأننا نملك جيلاً عظيماً من اللاعبين تخصص فى إحراز الأهداف والبطولات، كنا الأفضل فى الملعب، وقد يكون خصومنا أفضل منا خارجه، ثلاث بطولات متتالية وحسن شحاتة يتفوق بفطرته النقية على نظريات الأستوديو التحليلى، ثلاث بطولات راج فيها الاتجار بالعلم الوطنى فى الشوارع الضيقة والواسعة على حد سواء، ثلاث بطولات قارية أكدت أن لهذا البلد مستقبلا، لا تفهمه الندابات اللواتى لا يعرفن معنى الفرح والارتجال فى الصحف، التى يتاجر كتابها بالجهامة والجدية والنضال المجانى، فى القاهرة 2006 وغانا 2008 كانت حيوية تجتاح الشارع، إضرابات واعتصامات ومظاهرات مشروعة فى كل مكان، تندد بسياسات الحكومة وبالاحتلال الإسرائيلى للأرض المحتلة وممارساته البشعة ضد أهلنا فى غزة ولبنان، وكان اللاعبون «الفطريون» الوطنيون يحرزون أهدافا لصالح التغيير القادم (على عكس ما يقول المتحذلقون)، فى 2010 اختلف الوضع قليلاً، ذهبنا إلى أنجولا بعد أن هدأ الشارع، وحوصرت الأحلام الكبيرة فى مانشيتات الصحف القومية التى لا علاقة لها به، ذهبنا وفى الحلق غصة من الجزائريين الذين حولوا اللعبة إلى شىء آخر، وحولوا المشجع الطيب الذى يحب فريقه إلى قاطع طريق، وحولت صحافتهم القضية إلى صراع عبثى بين شقيقين، وإعلامنا أخطأ هو الآخر لأنه بلا عقل، ذهبنا إلى أنجولا وحماسنا نحن محبى اللعبة أقل، خفنا من المبالغة فى الأمل لأننا لا نحتمل إحباطا آخر، وشيئا فشيئا أكد فريقنا المنسجم والمتناغم أننا الأفضل، إلى أن جاء اللقاء الحاسم أمام الجزائر، وفزنا لأننا نحب اللعب ولأن لاعبينا تدربوا على الانتصار وعلى ثقة الناس فيهم، كانت مباراة رائعة تلاعبنا بالخصم فيها وقدمنا لهم درساً فى فنون الكرة، هم حملوا الحكم المسئولية وهذا متوقع، لأنهم من النوع الذى يرفض الاعتراف بالخطأ، ويرفضون العقاب فى الملعب، نجح الفريق المصرى فى إقناع الناس بالنزول إلى الشارع مرة أخرى بعد أن كان مترددا طوال البطولة، ليلة الخميس الماضى كانت ليلة الفرح، شاهدت لأول مرة سيدات الأحياء الشعبية يرقصن ويهتفن فى ميدان سليمان باشا، عادت القاهرة عاصمة للفرح وعاصمة لكرة القدم الأفريقية السعيدة، المزدحمة بالنجوم الكبار والخطط، خسر الجزائريون الذين كنت أشجعهم طوال البطولة لأنهم تخيلوا أن الإرهاب ضد المصريين فى الملعب واجب قومى، وأنه سيعوضهم عن الفارق الواضح فى كل شىء، وكسب حسن شحاتة لأنه يحب كرة القدم، كسب بتوليفته السحرية (البسيطة والمعقدة) وبمعرفته بحاجة الشارع إلى هذا الانتصار، نعرف أن العنف يتصاعد فى نسب طردية مع اشتداد المظالم الاجتماعية والإحباطات التى تتراكم لدى الناس فى الحياة اليومية، ونعرف أن الجزائريين والمصريين ضحايا الحكم فى البلدين، ولكن طبيعة البلدين وجغرافيتهما وثقافتهما تجعل الأخيرين أهدأ فى المواقف الكبيرة، دخل لاعبونا المباراة كأن واقعة الخرطوم لم تحدث، دخلوها كأبطال يدافعون عن اللقب، تفننوا وأجادوا وأمطروا شباك الخصم بأربعة أهداف مع الرحمة، لعبوا على الكرة فى الوقت الذى يسعى فيه الخصم إلى إيذاء زميله فى الملعب، زميله الذى ليس له رأس مال إلا قدميه، وفى النهاية أصبح الحكم مسئولاً عن الهزيمة الثقيلة لأنه طبق القانون، ورفض سعدان تهنئة شحاتة، هم لا يريدون أن يعترفوا أننا أفضل ونلعب كرة قدم جميلة بدون غل، وأننا عزفنا لحنا من الصعب نسيانه، وأننا لسنا أعداء لهم، ولكننا فى ملعب، يوجد به 22 لاعب كرة قدم، نصفهم منهم ونصفهم منا، والمخطئ يعاقب وعلى الملأ، لأن فلسفة اللعبة تقوم على تحقيق العدالة المفتقدة على المسرح الذى هو الملعب، العدالة التى يفتقدها الشعبان بسبب حكامهما، لقد كان الفوز على الجزائر -بأدب- هو البطولة الحقيقية، لأن الشارع العربى فرح لنا هذه المرة، وربما كان ابتهاج أهلنا فى فلسطين المحتلة (غزة والقطاع) أعظم ما قدمته البطولة للمصريين فى المباراة النهائية أمام غانا، والتى حطم فيها المنتخب الوطنى حزمة أرقام قياسية، فهى تتويج للروح العصرية الصاعدة، وانتصار للشعب المتعطش.. للفرح .