ماذا يمكن أن نقول غير كل ما قيل. حصلنا على كأس الأمم الأفريقية، وعوضنا هزيمة أم درمان. ومفروض أن نطوى هذه الصفحة للأبد، بعد أن جاءت الفرصة لننهى حالة تلبستنا.
يستحق الجمهور المصرى أن يفرح ويواصل الفرح لساعات، أو أيام قبل أن يعود إلى أرض الواقع. والجمهور المصرى هنا هو الجميع، فليس لدى المصريين شىء يتفقون عليه سوى كرة القدم. هى الشىء الوحيد الذى يجمع الحكومة والأهالى، والحزب الوطنى والمعارضة، والصحافة القومية والخاصة والإنترنت. والحدث الذى يجمع بين المتظاهرين وأجهزة الأمن، أو حسب داود عبدالسيد المواطن والمخبر والحرامى بيشجعوا مصر، ومن الصعب بل من المستحيل أن تفرق بين أحدهم. كلهم يشاركون فى التشجيع والاحتفال والفرح.
المظاهرة الوحيدة المسموح بها أمنيا هى مظاهرة المحتفلين فى جامعة الدول العربية والقاهرة والمحافظات.
والوقت الوحيد المسموح فيه بإطلاق المفرقعات بكل أنواعها، وغيرها من الممنوعات هى لحظات الفرح الاحتفالى الهستيرى.. فى لحظات استثنائية تعنى ترك كل الأبواب مفتوحة وكل التظاهرات مسموح بها. ولم يحدث ولا مرة واحدة أن خرجت مظاهرات الفرح عن خطها المرسوم، أو انحرفت إلى شىء آخر. وهو جزء من سر الجمهور المصرى لم يصل إليه أحد ويحاول السياسيون أحيانا استعماله لكنهم يبقون على الخط.
وصدق من سماها الساحرة المستديرة، الكرة لأنها كما توحد الأضداد وتجمع بين الأشياء ونقيضها، مثل السياسة، فهى أيضاً تصنع نجوماً فى لحظات، أو ركلات، وليس هناك مثال أكثر من محمد ناجى جدو، نجم بطولة كأس الأمم الأفريقية بلا منازع. وسارق الفرح الأول بتعبير الأديب الكبير خيرى شلبى.
إذا كان لكل فرح مركز، يخطف الأضواء، ويجذب الأنظار فهو «جدو».. مهاجم الاتحاد السكندرى وابن محافظة البحيرة، الذى ظهر للمرة الأولى فى كأس الأمم، ونجح فى احتلال مركز الجذب والضوء. اسمه سهل النطق أصبح على كل لسان، وصورته سوف تحتل واجهة الأحداث لشهور.
وصحيح أن هناك حسن شحاتة وأحمد حسن وعصام الحضرى ومتعب وآخرين، كل هؤلاء سبق لهم الشعور بالفوز مرتين وأكثر. لكن جدو وحده يشعر الآن بالفرح المضاعف، ومعه أهله فى حوش عيسى، الذين لم يكن من السهل أن يتذكرهم أحد لولا جدو.. البكر الوحيد فى الكأس الذى وضع البصمة النهائية للبطولة متوجاً جهداً كبيراً لزملائه، الفتى الفلاح القادم من حوش عيسى ببراءته وقوامه الممشوق كان حصان الرهان. ولانعرف ماذا يخبئ له المستقبل، لكن جدو غطى على نجوم كانوا حتى أيام قريبة مركز الأضواء. لكنها الساحرة المستديرة، التى تصنع نجوما فى ركلات، وتركل نجوما فى لحظات. وتوحد المختلفين وتجمع الأضداد. حتى إشعار آخر..
جدو الآن يخطف الأضواء ويستأثر بحب الجماهير التى أسعدها تخطى عقدة أم درمان، وأسعدها الفوز لثالث مرة على التوالى بكأس الأمم، وأسعدها أكثر الفتى جدو، صاحب القدم الذهبية وسارق الفرح والنجم القادم.