لم تعد المرافعات أمام القضاء، وانتقلت إلى الفضائيات والصحف. عندما توصل الأستاذ طلعت السادات المحامى إلى بعض النقاط فى قضية المتهم بقتل السيدة وأبنائها فى بنى مزار سارع بعقد مؤتمر صحفى يعلن فيه دفوعه، ويؤكد براءة المتهم وتفنيد الإجراءات. ولا لوم على محام يسعى لتبرئة موكله أمام المحكمة، لكن المثير أنه بدأ مرافعته فى مؤتمر صحفى أمام الصحافة والفضائيات. وهى المرة الثانية. وهو أمر أصبح شائعا مع السادات وغيره. ولا نعرف مدى تأثيره على العدالة. فالطبيعى أن يمارس المحامون مرافعاتهم أمام المحكمة لكن السنوات الأخيرة أصبحت القضايا كلها تعرض بتفاصيلها على الصحف والفضائيات، ويحرص المحامون على كسب الرأى قبل أن يذهبوا للمحكمة. وبالرغم من أن هذا يمثل نوعا من التسلية فهو يقدم نصف الحقيقة أو ربما وقائع مزيفة..
طلعت السادات سبق له تبرئة المتهم فى مذبحة بنى مزار الأولى محمد عبد اللطيف بعد حملة قادها من مكتبه وبطريقة المؤتمر الصحفى. فهل تنفع نفس الطريقة فى قضيته الثانية.
ولم يكن السادات حالة خاصة فقد سبقه محامون كثيرون حرصوا على إعلان براءة موكليهم على الهواء ومحاولة إقناع الصحف بتبنى وجهات نظرهم فى القضية. حتى لو عجزوا عن إقناع المحكمة. فى قضية هبة ونادين رأينا مؤتمرات صحفية وتسريب معاينات ومحاضر، فى محاولة للتشكيك فى الأدلة أمام الصحف.
وكانت قضية سوزان تميم أكثر قضية تابع الرأى العام تفاصيلها قبل أن يصدر القاضى حظر النشر، بعد توسع القصص والحكايات وانتقال المحامين من قاعة المحكمة إلى كاميرات الفضائيات. وبدا أن التشويق أهم من العدالة، بل أن الدفاع عن هشام طلعت فى أول درجة ترافع أمام الرأى العام فى الفضائيات والصحف اكثر مما فعل أمام المحكمة. بل إن القضايا التى يسمح فيها بوجود كاميرات الفضائيات تكون مرافعات الدفاع أطول مما هو مقرر، ورأينا كيف أن محاميا ترافع أمام النقض لساعة أو اكثر مع أن النقض ليست محكمة استعراض. المحامون يحاولون تقديم مشاهد مشوقة حتى يستطيعوا البقاء فى برامج المساء أطول فترة ممكنة.
وهل يمكن أن يكون هذا الأمر لصالح المتهمين أم لصالح المحامين، ولا نناقش طبيعة الاتهامات أو حق الدفاع لكنا نناقش خطورة أن تتحول القضايا وأسرار المتهمين والضحايا إلى مادة للثرثرة والتشويش قد تضر العدالة أو الطرف الضعيف بينما يستفيد منها الأكثر قدرة على الإنفاق فى الدعاية والإعلان.
وطبيعى أن الاستعراضات القانونية للمحامين أمام الإعلام تطرح وجهة نظر الدفاع، الذى يحرص أحيانا على إخفاء ما يضر وجهة نظره، وهو ما يسبب التباس لدى الرأى العام، الذى يرى نصف الحدث والنصف الثانى يكون مختفيا بتعمد. وقد رأينا كيف اختلطت الأوراق والقصص فى قضية مقتل سوزان تميم، وتحولت القضية إلى كتلة من الفضائح لأطرافها، بل وأحيانا يضطر المحامى لإفشاء أسرار موكله من أجل أن يقدم عرضا مثيرا أمام المشاهدين ولا يهم فى ذلك أن كان هذا يضر موكله. وهنا خطورة أن يصبح والمحامون وكلاء نيابة، أحيانا قضاة، مع أن بعضهم يعجز أمام منصة القضاء، ويختار منصات «الفضاء».
ومع أن القضاء هو المكان الطبيعى لنظر القضايا فإن موضة المحامى الفضائى هى الجلوس مكان القضاة لكن فى الفضائيات أمام الكاميرات وعلى صفحات الجرائد ليقدموا استعراضات بهدف الشو الإعلامى وكسب موكلين جدد وليس تبرئة موكليهم الحاليين. وبالفعل كسب محامو الفضائيات زبائن جدد بفضل ما ينشر عنهم وليس بفضل ما نجحوا فى كسبه من قضايا. وما يزال محامو المتهمين فى مقتل سوزان تميم يقدمون استعراضات أمام الفضائيات فى محاولة لكسب مزيد من الزبائن بصرف النظر عن مصلحة العدالة أو حتى المتهمين.