تحدثت فى الأمس عن شيخ الأزهر الراحل فضيلة الشيخ محمد سيد طنطاوى.. وأستكمل اليوم..
المعروف أن منصب شيخ الأزهر من المناصب القليلة فى مصر المحصنة ضد العزل بقرار سياسى، وبقدر ما ينظر المسلمون إلى هذا المنصب بجلال وتقدير مستمد من قيمته الدينية، بقدر ما ينظرون إليه على أن حصانته لابد أن يتم تفعيلها من شاغلها دائما لصالح المسلمين، وذلك برفض ما يطلبه أى نظام سياسى من فتاوى دينية أو خطوات دينية تصب لصالحه، وليس من صالح الإسلام والمسلمين فى شىء ، وتاريخ الأزهر ملىء بمثل هذه القضايا، وفيها حكايات عن شيوخ كانوا لقمة سائغة فى حلق السلطة يلبون لها مطالبها كلما طلبت شيئا، ويأتى الرد من الرأى العام على ذلك بأن هؤلاء الشيوخ لا يعرفون قيمة أنهم محصنون ضد العزل، وفيها حكايات عن شيوخ رفضوا أن يكونوا واجهة نفاق لهذه السلطة، فرفضوا إصدار الفتاوى الدينية لصالحها.
بين الحالتين عاش فضيلة الشيخ محمد سيد طنطاوى، إن أصدر فتوى تتماشى مع سياسة النظام الحاكم يكون محل اتهام بأنه يسخر الدين لصالح السياسة، والسياسة المقصودة هى لصالح النظام الحاكم، وبالتالى هو لا يعرف قيمة المنصب، وإن فعل العكس فهو يعرف قيمة هذا المنصب، وفى تقديرى أن الأمر لا يحتاج إلى إحصاء لإثبات إلى أى جهة كان ينحاز الشيخ طنطاوى، فهو لم ينكر فى كثير من الأحيان أنه يعمل لصالح وبأمر النظام، ولعل موقفه تحديدا فيما يتعلق بالتعامل مع إسرائيل هو الذى جر عليه غضب الرأى العام، فمرة يقابل حاخامات إسرائيل، ومرة يصافح الرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز، وكان يسوق لأجل ذلك مبررات غريبة وعجيبة تبعث إلى السخط، وتجدد طرح السؤال: لماذا يغيب عن ذهن الرجل أن منصبه محصن ضد العزل، وبالتالى لماذا لا يرفض مطالب النظام السياسى بالإقدام على مثل هذه الخطوات، التى كانت تسىء للأزهر أكثر ما تفيده، ليس أمام المسلمين فى مصر وحسب، وإنما أمام المسلمين فى العالم أجمع، ومما أشعل الجدل حول ذلك آرائه الأخرى فى الكثير من سبل المواجهة مع إسرائيل، ففى وقت كانت أعمال المقاومة تشتد ضد الاحتلال كانت الحيرة تأتى مما يقوله، فمرة يعتبرها مقاومة مشروعة ومرة يعتبرها إرهاباً، ومع استمرار هذا التناقض فقدت هذه الفتاوى قيمتها سواء كانت تدعم المقاومة أو ترفضها، فلم تعد النظرة إليها بأهمية ما أعلنه مثلا الشيخ جاد الحق وهو شيخ للأزهر عن مشروعية العمليات الاستشهادية ضد إسرائيل، وكان الصديق عادل السنهورى هو الذى حصل على هذه الفتوى وتم نشرها على صفحات جريدة العربى لسان حال الحزب الناصرى، وأثارت وقتها جدلا كبيرا.
كانت هذه القضية تحديدا هى الأهم فى محل الانتقادات التى ظلت تطارد الراحل الكبير، بالرغم من أنه كان صاحب اجتهادات محترمة فى مسائل التعامل مع البنوك، وقضايا أخرى تحتاج إلى رصد لإعطاء الرجل حقه.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة