سعيد شعيب

طحا المرج

السبت، 13 مارس 2010 12:29 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما قال لى صديقى جمال ندا قريبى الذى يعيش فى الريف، لم يكن هناك حل سوى أن يبنى الناس بالطوب الأحمر والأسمنت المسلح، انتبهت إلى أننى مثل كثيرين نحكم على حياة الناس من خارجها، ننشغل بإدانتهم، أكثر بكثير من انشغالنا بالأسباب والدوافع التى جعلتهم يفعلون ما لا يعجبنا.

فمن المفاهيم المغلوطة التى استقرت فى وجدانى، ووجدان كثيرين، أن "الريف باظ"، فكل أهله تخلوا عن البيوت الطينية "الرائعة"، وزرعوا بدلا منها "علب أسمنتية قبيحة"، كثيرون أرجعوا ذلك إلى الفلوس القادمة مع الذين سافروا للعمل فى الخليج والسعودية، وبالتالى انتشرت فى بيوتهم التليفزيونات وأطباق الدش والغسالات الكهربائية، وحتى "العيش" أصبح معظمهم يشترونه، بدلا من "خبزه فى البيوت"، "فين فلاح زمان".

رسخ هذه المفاهيم المغلوطة وأعاد إنتاجها بإلحاح، أفلام ومسلسلات ووسائل إعلام وصحافة، وإيمان قطاع كبير من جيلنا باجتهادات المعمارى العبقرى حسن فتحى رحمه الله، والتى تستند إلى فكرة بسيطة هى الاعتماد على مواد من البيئة فى البناء وفى توفير كافة مستلزمات الحياة.

لكنى اكتشفت فى زيارة أمس إلى قرية والدى طحا المرج بمحافظة الشرقية، أن البناء بالطوب والأسمنت المسلح ضرورة حتمية، فلا يوجد توسع عمرانى أفقى، أولا لأنه مكلف جدا، فسوف يقتطع من الأراضى الزراعية التى يعيش منها الفلاحون، ومن ناحية أخرى يدخلهم فى صراعات عنيفة مع أجهزة الدولة وقانونها الذى يجرم البناء على أرض زراعية.. فماذا يفعل الناس مع الزيادة السكانية، وماذا يفعلون مع أبنائهم الذين يريدون الزواج وتكوين أسر؟

لم يكن هناك حل سوى التوسع الرأسى، وهذا تقريبا مستحيل بالطوب الطينى، وبالتالى فالبناء بالطوب الأحمر والأسمنت المسلح هو الحل، حيث يمكن الارتفاع بالبيوت عدة طوابق. ولكن لأننا لا نعرف نتسرع فى هذه الأحكام الجاهزة والسريعة، بالضبط مثلما نعتبر أن دخول الأجهزة المنزلية الحديثة والموبايل إفساد للفلاحين.. فى حين أننا هنا فى القاهرة، وفى أى مدينة، نعتبرها حقا بديهياًّ ولا يحتاج لنقاش، فهى حلال لنا حرام على غيرنا.

صحيح أنها زيارة سريعة.. ولكن الله أنعم على بدرس سيبقى معى إلى ما شاء الله.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة