من نصدق الحكومة أم رجال الأعمال المصريين الهاربين فى الخارج؟
ومن الجانى والمجنى عليه فى القضية؟
حاجة تحير فعلا.. فقد صدق الشعب الحكومة ووسائل إعلامها منذ بداية الثمانينات وحتى وقت قريب فى حكاية رجال الأعمال الذين "نهبوا أموال الشعب واستولوا على أموال البنوك"، ثم لاذوا بالفرار إلى العواصم الأوروبية واستقروا هناك حتى بلغ عددهم نحو 150 رجل أعمال، واكتشفنا فجأة أن الحكاية ليست استيلاء أو هروبا - لا سمح الله - وإنما مجرد تعثر فى السداد وأهلا بهم ومرحبا فى وطنهم مرة أخرى للجدولة والهيكلة والسداد حين ميسرة، وكفى الله الشعب كذب الحكومة عليه.
فالمرآة الحديدية - كما وصفتها الحكومة – عادت بعد 22 عاما من الهروب ثم عاد رجل الأعمال الشهير رامى لكح بعد 10 سنوات من لندن أيضا، وسوف يعود آخرون قريبا للدخول فى مفاوضات لبحث الخروج من أزماتهم وسداد أموالهم بالطريقة التى يتم الاتفاق عليها، وبالتقسيط المريح وبدون فوائد متراكمة، وكأن شيئا لم يكن، وكأن سنوات الهروب غير محسوبة لا فى عمر رجال الأعمال أو فى عمر الحكومة، وما ترتب عليها من خسائر للبنوك يمكن غض الطرف عنه.
إذن سوف تسقط الأحكام القضائية وتفتح صفحات بيضاء جديدة مع رجال الأعمال وسنكتشف أن الحكومة وسياساتها هى الجانية والمتهمة والمتسببة فى هروب هؤلاء الرجال، مثلما صرح حاتم الهوارى أحد رجال الأعمال الهاربين، وعليه فإن على الحكومة أن تمتلك شجاعة الاعتراف بأنها "المخطئة"، وأن هناك من يجب محاسبته ومحاكمته، لأنه كان وراء الهروب الجماعى لرجال الأعمال من مصر.
بالتأكيد هناك شىء ما غامض فى القضية، ولا ندرى من نحاسب أولا منفذ عملية الهروب والمتسبب فيها أم الهارب.
المسئولية مشتركة والجريمة واحدة، والتحقيق يجب أن يشمل الجميع لإظهار الحقائق وكشف المستور، والأصل أن تعود أموال الشعب المنهوبة سواء أكانت بالمصالحات والتسويات أو المطالبات، دون أن يكون القبض على أحدهم وسيلة لتحسين صورة أو غسيل سمعة لنظام حكم هربوا فى وجوده بعد أن ضحى بهم وهم رجاله كعربون أو قربان طهارة ونزاهة للناس فى بادئ الأمر، ثم هو ذات النظام الذى يبحث عنهم الآن ويحاور بعضهم ويتشاور مع البعض الآخر ويقدم الضمانات والتطمينات هنا وهناك.
وإذا كانت هناك مفاوضات وتسويات مع بعض رجال الأعمال الآن مثل رامى لكح – الذى عاد - وعمرو النشرتى والهوارى وعادل أغا وغيرهم، فما المانع من فتح باب العودة أمام الباقين بأموالهم واستثماراتهم إلى مصر والتى تقدر بنحو 220 مليار جنيه فى أنحاء متفرقة من العالم دون أن تستفيد منها مصر.
وإذا كان الأمر كما ترى الحكومة الآن لن يستفيد منه أحد، بل المتضرر منه الاقتصاد المصرى وأموال الناس المنهوبة، فليس هناك مصلحة فى بقاء الوضع على ما هو عليه، وعلى المتضرر أن يبقى هاربا.