علينا أن نشعر بالسعادة والهناء ونحن نرى عددا لابأس به من نوابنا الموقرين فى مجلس الشعب يثبتون براعتهم فى مخالفة القانون، ويقدمون الدليل بعد الآخر على أن الحصانة البرلمانية لها فوائد متعددة، حيث يمكن توظيفها فى الجريمة، والتهريب، والتسقيع، كما يمكننا تصور نوعية القوانين التى تصدر مخلوطة بأنفاس مهربين ومقامرين وشتامين وأحيانا مرتشين، وهى أحد أهم إنجازات الحزب الوطنى والمجمع الانتخابى والالتزام الحزبى والبرلمان التعددى.
ولاشك أن إعادة تطوير أداء الحصانة هو أمر يستحق عليه نواب الموقر عن الحزب الوطنى جوائز الابتكار، ويسجلونه فى براءات الاختراع، كأحد أغرب إنجازات الفصل بين السلطات، والركوب تحت عجلات الديمقراطية المخططة.
نقول هذا بمناسبة الإنجازات التى تكشف عنها أجهزة الأمن لعدد من نواى الموقر عن الحزب الوطنى، ومنهم نائب القمار الذى أصبح نائبا للتهريب ليجمع بين ميزات البحث الجنائى والأموال العامة فى أقل من شهر، فقبل أن تنتهى أزمة رفع الحصانة عن النائب بتهمة لعب القمار تم ضبطه متلبسا بتهريب عدد ضخم من التليفونات المحمولة تتجاوز جماركها المليون جنيه.
ويبدو أن النائب ربما يكون قد اعتاد العملية مستخدما حصانة تشريعية حولها عدد كبير من نواب الحزب الوطنى إلى حصانة جنائية، واعتادوا أن يوظفوها لضمان أكبر قدر من الحصانة لأعمالهم غير المشروعة. وقد تفرجنا على عدد من الموقرين وهم يتبادلون الشتائم وضرب الأحذية، ناهيك على الشيكات بدون رصيد والاستيلاء على أراضى الدولة والتزوير والتزييف والتسقيع، بل والقتل فى بعض الأحيان.
وبالطبع لا يمكن لهؤلاء النواب الموقرين وهم يوظفون حصاناتهم من أجل حماية أعمالهم خارج القانون أن يهتموا بالتشريع أو ينشغلوا بسيادة القانون، وإذا كان نائب القمار قد مارس عمليات أخرى للتحصن من الجمارك أو الضرائب فإنه، ولا شك كان سيكون نائبا ملتزما بالتصفيق والتمرير والالتزام الحزبى والتشريعى.
عدد كبير جدا من الموقرين اعتادوا استغلال الحصانة فى تمشية أحوالهم خارج الموقر، وفى الداخل فإنهم الأكثر التزاما بتنفيذ تعليمات التنظيم والتصفيق والموافقة.
وبوجود هذا العدد من رواد التهريب والجريمة فى الموقر علينا أن نعرف نوعية القوانين والتشريعات التى يوافقون عليها، أو يمنعون أى تشريعات من شأنها أن تقلل من حصانتهم الجنائية، وكل نائب من النواب الموقرين المتهمين فى قضايا تهريب أو رشوة أو شيكات أو تسقيع أراضى إلى آخره ساهموا بدرجة ما فى منع صدور قوانين مهمة، وعرقلوا محاسبة الحكومة، ولا يمكنهم السماح بتشريعات تساعد على الشفافية أو التنظيم.
كثير من هؤلاء الموقرين دخلوا إلى البرلمان وحصلوا على الحصانة، مع علم بملفاتهم الجنائية ومصادر أموالهم. وبعضهم اشترى الأصوات علنا بأرباح التهريب والنشاط الإجرامي، وإذا كان المرشحون فى الجمالية على مقعد إبراهيم سليمان يشترون الصوت أحيانا بمائة جنيه أو أكثر فهذا لأنه يعرف انه سيربح عشرات الأضعاف، باستخدام الحصانة التى أصبحت تستخدم فى كل الأغراض، إلا التشريع.