دعك من الاختلاف بين الأرقام التى استند عليها الدكتور جودت الملط رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، وبين التى رد بها أحمد عز رئيس لجنة الخطة والموازنة فى مجلس الشعب، فرغم أهميتها القصوى، أى الأرقام، لكن الأهم فى رأيى أنها مبارزة سياسية رفيعة المستوى لها دلالات هامة:
1- أن الجهاز المركزى للمحاسبات لا يتبع الحزب الوطنى ولا الحكومة، بل هو سلطة أعلى منهما بقوة القانون، لأن دوره هو مراقبة أنشطة كل مؤسسات الدولة، وأن ما حدث فى البرلمان أمس، ومن ثم لا يجب أن يخضع للابتزاز السياسى من جانب الحزب الحاكم، ولا يجب أن يخضع للتهليل السياسى من جانب المعارضة، لأن هذا يفسد عمله المهنى والذى تحتاج إليه البلد.
2- بالتأكيد أن شجاعة الدكتور الملط الشخصية، لعبت دورا مهما فى ترسيخ هذا المعنى، فرغم الضغوط الهائلة التى تعرض لها من جانب قيادات الوطنى وحكومته، ظل مصرا على اتباع ذات المنهج فى العمل، ولا أظن أنه كان يقصد الإساءة، ولكن هدفه كما فهمت من الأداء أنه يمارس عمله الرقابى بمهنية شديدة. ولكن حان الوقت ألا يعتمد أداء هذا الجهاز الهام على فرد، مع كامل التقدير لرئيسه الحالى، لكن يجب أن يكون هذا منهجه أيا كان من يتولى قيادته.
3- قيادات الحزب الحاكم لن يفيدها سياسيا أى اتهامات توجهها إلى الدكتور الملط، مثلما حدث من قبل، عندما اتهمه على سبيل المثال أحمد عز أمين التنظيم بأن تقاريره سياسية، وكان يقصد بالطبع أنها تريد مهاجمة الحكومة وحزبها، وليس التعامل مع الأرقام بشكل مجرد، ولكن كل ذلك ذهب أدراج الرياح، وكسب الملط، وربما هذا هو ما دفع أحمد عز هذه المرة إلى الاستناد إلى أرقام رسمية، وهو عمل سياسى رفيع المستوى علينا مساندته، حتى لو اختلفنا مع مضمونه.
4- أتمنى ألا تحول قوى المعارضة الجهاز المركزى للمحاسبات أو أى جهاز رقابى فى البلد إلى سلاح فى الصراع السياسى الضيق، والتراشق بينها وبين الحكومة، ويجعلنا نفقد الثقة فيه، لأن هذا يجعله يحيد عن دوره المهنى، ونحن فى أشد الحاجة إليه، فلن نستفيد إذا لعن هؤلاء الحكومة أو مدحوها، ولكن ستتطور البلد حتما إذا أوقفوا أى خلل فى أى مؤسسة، بما فيها المؤسسات الحزبية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة