لا أعرف مشاعر الناس عند سماع كلمة الشفافية، لكنها تترجم معى فى صورة الملابس الشفافة، ربما لأن كلمة الشفافية ترددت كثيرا فى تصريحات المسئولين، والحكومات للدرجة التى افقدتها معناها، وجعلتها تعنى "التعرى"، وليس الصراحة والوضوح والخط الأقصر بين نقطتين، وكلما سمعنا كلمة شفافية لانصدق ونتصور العكس، وهو أمر تؤكده تقارير منظمات الشفافية، التى غالبا ما تؤكد بأدب علمى وموضوعية مصطنعة أحيانا، أننا نفتقد للشفافية بينما الواقع أن السياسات كلها أحيانا تميل إلى التعرى أو "الاستربتيز".
كل الطرق تؤدى إلى غياب الشفافية والوضوح فقد تم بيع القطاع العام بصورة أقرب إلى السرقة المخلوطة بالنصب، باعوا للمواطنين الوهم تحت اسم الخصخصة، وهانحن الآن ندفع ثمن المهرجانات التى نصبت للخصخصة والقول انها ستنهى الفساد والمحسوبية، وتحافظ على المال العام وحقوق العمال، وما جرى أننا بعنا الشركات الناجحة بأقل من ربع ثمنها، وتم تفكيك المصانع والشركات والاتجار فى أراضيها وأصولها، وخرج العمال المهرة إلى المعاش المبكر وانضموا إلى طابور العاطلين.
خسرنا مصانع ولم نكسب شيئاً، انظر إلى شركات الأسمنت والحديد، والمراجل، التى اشتراها مغامرون بربع ثمنها وبأموال البنوك مع أن الشفافية تعنى الشراء بأموال المستثمر، ثم باعوها بكل شفافية فكسبوا أضعاف ثمنها، ووقعت السلع فى الاحتكار، صفقات عمر أفندى وطنطا للكتان، وأمونسيتو، التى اشتراها مستثمرون أجانب وشردوا عمالها وأغلقوها، توقفت الصناعة وخسرنا العمال المهرة والأصول، وسوف تباع الأرض بالمليارات، الشفافية تعنى الحقيقة، لكن "التعرى" يعنى الحصول على عمولات ضخمة، دون أن نشاهد حساباً، وأن يكون الفساد قاعدة، والنزاهة هى الاستثناء.
الشفافية تعنى سيادة القانون على الجميع، والاستربتيز يعنى الكيل بمكياليين، رفع الحصانة عن نائب معارض، وتركها لنائب حزب حاكم، قبول تقرير النقض ضد نائب مستقل، ورفضها لنائب بالحزب الوطنى، واختيار نواب قمار وتهريب وشيكات وطائفية.
الشفافية تعنى مكافحة الفساد ونزاهة الانتخابات والاستربتيز يعنى شراء الأصوات والسماح بالفساد العلنى، وترك المفسدين بلا عقاب، وأن تتسع العشوائيات ويعجز المواطنون عن الحصول على مسكن، ويوزع وزير الإسكان إبراهيم سليمان الأراضى على أقاربه وأصدقائه، ويأتى الوزير الحالى ليفرحنا بالاتجار فى الأراضى والمضاربة على أسعارها، لتشتعل ويزداد المسقعون غنى، ويزداد العشوائيون عشوائية.
ربما يكون تقرير منظمة الشفافية "حول نظام النزاهة الوطنى" تطرق للقواعد الشفافية، وأوصى بإلغاء الطوارئ ووقف تجارة الأصوات، وإلغاء تضارب المصالح، لكنه تجاهل طبيعة النظام التى تقاوم الشفافية وتدعم التعرى. ولهذا نكتشف بعد سنوات وباعتراف مجلس الشورى أن كثيراً من رجال الأعمال اشتروا المصانع من أجل بيع أراضيها وتفكيكها، ونكتشف أن الخصخصة تحولت إلى منهبة، ولا نستطيع محاسبة عاطف عبيد على خطاياه فى حق الاقتصاد، أو محمود محيى الدين على ما يجرى فى طنطا للكتان أو عمر أفندى، والشفافية لاعلاقة لها بنظام الحكم سواء رأسمالى أو اشتراكى، لكن فى النظام الرأسمالى لا يمكن النجاح دون تطبيق صارم للقانون، وشفافية فى كل التصرفات، لكن ماجرى فى مسيرة الخصخصة أن النظام السياسى الحزبى والتشريعى احتفظ بعيوب النظام الشمولى، من حيث التدخل الحكومى والمركزية والرواتب الحكومية، وقيد قوانين العرض والطلب والمنافسة، ومنح بعض المتحلقين حول الحزب حرية التحرك الاقتصادى ومنعها عن الأغلبية، والنتيجة حديث عن الشفافية، بينما كل ما يجرى هو "ستربتيز".