اختار الدكتور محمد البرادعى أن يكون نزوله إلى الشارع وظهوره علانية لأول مرة بين الناس فى حى الحسين، بعد أن أدى صلاة الجمعة فى الجامع الحسينى، وبدا فى مشهد "رئاسى" بين الجماهير وتجول فى بعض مناطق وشوارع القاهرة الفاطمية.
فهل جاء الظهور الشعبى المفاجئ للدكتور البرادعى وفق خطة مسبقة ومعلنة لتحرك الرجل الذى يرأس الجمعية الوطنية للتغيير، ويعتبره الكثيرون "أمل" التغيير فى مصر، ورأس الحربة فى إصلاحات ديمقراطية حقيقية فى الشارع السياسى المصرى؟ أم أن التحرك عفوى من أجل الصلاة فى الحسين الذى اشتاق البرادعى إلى الصلاة فيه كثيرا بعد سنوات طالت فى الغربة.
لا أميل إلى التفسير العفوى فى تحرك الدكتور البرادعى، فقد أصبح رمزا سياسيا بدرجة ما وبات لزاما عليه وعلى من حوله دراسة كل تحرك وفى أى اتجاه ودراسة نتائجه وتداعياته على صورة "البديل" الشعبى المأمول فيه أن ينافس على منصب الرئاسة. وإذا كان هناك تفسير آخر فيحق لنا أن نتساءل "ولماذا اختار البرادعى الحسين والقاهرة القديمة، ولماذا جاءت الزيارة سابقة على لقاءات مطلوبة مع الأحزاب السياسية التى مازالت مواقفها تتراوح بين القبول والرفض والترقب".
قد يرى البعض أن مشهد البرادعى فى الحسين هو اختبار لمدى شعبية الرجل والتفاف جماهير المصلين حوله، والهتاف له واعتبار"الحركة" خطوة استباقية للضغط على الأحزاب والقوى السياسية المترددة وإظهارها أمام الرأى العام المؤيد للدكتور بالعجز والتردد، وعدم القدرة على اتخاذ خطوة مماثلة لقياس مدى قوتها فى الشارع المصرى.
وقد يفسر آخرون نزول البرادعى إلى الشارع هو تحدى لكل من اتهموه بالبعد عن الشارع المصرى، وهو الرجل التكنوقراطى المحسوب على النخبة المثقفة البعيدة عن نبض الشارع وهمومه ومشاكله، بالتالى قرر النزول فى ظل دهشة عفوية من عدم وجود أية مضايقات أو حصار أمنى يحول دون لقائه بالمصلين أو القاطنين فى المنطقة.
ثم لماذا اختار البرادعى الحسين للظهور الشعبى الأول بكل ما تحمله زيارة المسجد من دلالات ومعانى ولم يختر أحد الأحياء الشعبية الأخرى فى القاهرة أو فى أى محافظة أخرى فى مصر، هل هو غزل دينى لتيار واسع يسعى البرادعى إلى تحييده بعيدا عن تحالف الأحزاب وضمه إلى جبهة التغيير، وهو ما بدا يلوح بقوة بإعلان الإخوان عن نيتهم للانضمام إلى جبهة البرادعى.
ويبقى موقف الحكومة من التحرك الشعبى المفاجئ للبرادعى - إذا كان مفاجئا بالفعل لها - محل دهشة ومثار تساؤل، فليس من المعهود أن يترك رئيس حزب أو قيادة سياسية يتحرك بمثل تلك الحرية التى تحرك بها البرادعى فى الحسين وخان الخليلى ومسجد السلطان قلاوون دون التواجد الأمنى المكثف والمعتاد. وماذا يعنى ذلك؟ هل ستسمح الدولة بتكرار حركة المشهد الحسينى وتغض الطرف عن تحركات مقبلة أكثر تأثيرا واتساعا أم ستكتفى بما حدث لتوجيه رسالة قوية لكل من يسيل لعابه من الأحزاب للتشبه بالبرادعى.
معركة الشارع بدأت مبكرا وسيكون لها تداعيات مثيرة، لأنها نقطة تحول لافتة فى خطة عمل الدكتور البرادعى لتنفيذ برنامجه حتى لوكانت البداية من "الحسين" والصلاة فى مسجده والابتهال والدعاء عند مقامه.