يختلف الدكتور أحمد الطيب ذو الزى المدنى عن أحمد الطيب وهو يرتدى الجلباب المصرى أو «الجبة والقفطان»، الأول لا يفرق كثيراً عن المسئولين ولا عن ضيوف التليفزيون، الذين تشاهدهم ولا تنتظر منهم شيئاً، أما الثانى فهو رجل محبب، تشعر تجاه ملامحه الريفية بالقربى، وبرحابة وطيبة، وتتمنى أن تسترشد برأيه فى أمور الدنيا والدين، لا توجد فى عينيه صفاقة الذى يمتلك كلاماً نهائياً، ولكنك ستجد مسحة نورانية تبدو شاردة على ملامحه المنسابة المريحة، وقد جاء القرار 62 لعام 2010 الذى أصدره الرئيس مبارك - أتم الله شفاءه- من ألمانيا بتوليه مشيخة الأزهر الشريف، لكى يعود الشيخ الطيب إلى الجبة والقفطان إلى صورته الحقيقية، قال لموقع العربية نت إنه يعانى من التهاب فى الأذن من كثرة التهانى، وقال أستاذ القانون الدستورى عاطف البنا للشروق إن القرارات التى أصدرها الرئيس أثناء علاجه غير دستورية وأنه كان ينبغى على رئيس الوزراء توقيعها، ونسى كثيرون أن تعيين شيخ الأزهر الراحل طنطاوى احتاج إلى ثلاثة شهور، قال الشيخ سيد عسكر «إن النظام لا يستحى ويبحث عن أنصاره ليمنحهم مناصب محددة ويتجاهل أصحاب الكفاءات» وهو كلام صحيح، ولكن هل يوجد نظام يبحث عن خصومه ليمنحهم مناصب محددة؟، وقال عمرو هاشم ربيع فى الدستور «النظام يحاول وضع شخصيات بعينها على رأس كل المؤسسات والهيئات القومية فى الدولة حتى يضمن أن يكون الولاء والثقة وليس الكفاءة هما العاملين الحاسمين فى كل شىء»، وهو كلام يقال دائماً فى مثل هذه الظروف.
وعلى جانب آخر اقتنعت أستاذة الفقه المقارن سعاد صالح بأن التعيين أفضل من الانتخاب حتى لايجىء إلى المنصب ذوو المال، ومعروف أن تعيين شيخ الأزهر يتم منذ 1961 بقرار جمهورى، وكان على رجال الأزهر أن يخوضوا معركة سلمية لكى يعود نظام الانتخاب، ومعروف أيضا أن شيخ الأزهر الجديد هو أحد أعضاء المكتب السياسى للحزب الوطنى الديمقراطى، والذى هو أعلى من لجنة السياسات، ولا يحبه الإخوان لأنه أدان فى 2006 استعراض الطلبة المستفز فى جامعة الأزهر وقال - وعنده حق - «تم تصوير هؤلاء الطلبة وهم يشكلون ميليشيا إرهابية، ما يدعو إلى الاعتقاد بأن جامعة الأزهر جامعة إرهابية تصدر الإرهاب والفكر المتطرف، وهو مالا يقبله الأزهر مطلقاً»، قرار السيد الرئيس بتعيين الشيخ 46 فى تاريخ الأزهر لم يسعد خصوم النظام، ولكنه لم يكن مزعجاً، لأن الحس الصوفى الذى صبغ حياة الرجل يجعله أقرب إلى وجدان المصريين، بالإضافة إلى مسيرته العلمية كدارس للفلسفة فى السوربون وإجادته لأكثر من لغة أجنبية وعزوفه عن الأضواء، والطيب تتشابه سيرته - كما لاحظ وائل لطفى فى مجلة روزاليوسف - مع الشيخ مصطفى عبدالرازق الذى درس الفلسفة أيضاً فى السوربون، ورأى أن الأزهر لا يحتاج إلى عبدالرازق جديد، لأن تحديات أزهر الفترة الليبرالية الذهبية تختلف عن تحدياته الآن، وهذا كلام غير دقيق، لأن شيخ الأزهر ليس مطلوباً منه إلا تأدية واجبه تجاه مليار مسلم سنى فى العالم وأن ينأى بنفسه عن العمل السياسى المباشر، نحن فى حاجة إلى رحابة صدر وفهم الشيخ شلتوت وعذوبة الشيخ عبدالحليم محمود وصرامة الشيخ جاد الحق على جاد الحق وثقافة الشيخ مصطفى عبدالرازق، لكى يعود الأزهر مكاناً للعلم ومرجعا أمينا للوسطية، ويتصدى للزحف الوهابى الذى غير من تركيبة المجتمع المصرى الذى يحب الدين والدنيا معا.
لقد سعدت كثيرا بقرار السيد الرئيس ليس حباً فى الحزب الذى ينتمى إليه الإمام الجديد، ولا كراهية فى أسماء كانت مرشحة، ولكن لأن رجلاً متصوفاً اقترب من محيى الدين بن عربى والنفرى وأبى حامد الغزالى، وعلما تربى فى بيت طيب، ومصرى القلب والروح، رجلا بهذه المواصفات سيكون عنوانا لمصر الطيبة وسيكون - بإذن الله - نصيراً لحرية التعبير والبحث العلمى، ومدافعا عن حق الاختلاف، وداعماً لمقاومة الاحتلال الإسرائيلى، ومدافعا عن الديمقراطية ومنحازاً للمستقبل، بشرط أن يترك الحزب الوطنى، لأنه لا يجوز «شرعاً» أن ينتمى عالم متواضع.. لحزب متغطرس.