أقصى ما يمكن أن يواجهه أصحاب الرأى أن يستيقظوا يوما ليجدوا المنبر الذى يعملون فيه أغلق، لأسباب سياسية أو لأهواء مذهبية. وأسوأ ما جرى مع موقع "إسلام أون لاين" أنه تم إغلاقه أو تغيير سياساته دون النظر إلى مصالح العاملين، الذين تعبوا وعملوا لسنوات فى تأسيس موقع يقدم حضارة الإسلام وأفكاره، ويفتح مجالا لمناقشات وجدل مهم يفيد المسلمين، وغن كان يضايق أصدقاء مناقشات "الخلاء".
الصحفيون الذين تعبوا عشر سنوات من حقهم أن يتم تعويضهم بشكل عادل وأن تضمن حقوقهم بشكل محترم طبقا للقانون.
الموقع ارتبط بالشيخ يوسف القرضاوى الذى عرف طوال الوقت باعتداله ورغبته فى تقديم الإسلام فى صورته الحضارية، الموقع نجح إلى حد كبير فى إنجاز مهمته فى تقديم الإسلام بشكل محترم، ربما لا يرضى كثيرين من أنصار الهمهمة والغمغمة.
الشيخ القرضاوى كان بعيد النظر عندما دعم إقامة منبر "إسلام أون لاين" ليقدم الفكر الإسلامى، فى عالم أكثر رحابة، وبشكل عصرى، ربما كان أحد الأخطاء أنه جعل الموقع معتمدا عليه هو شخصيا وبضمانه ولم يفكر فى تحويله إلى مؤسسة مستقلة ماديا وإداريا، لأن المشروعات الإعلامية مالم تكن لديها الاستقلالية يمكن أن تروح ضحية الأهواء. وهو ما يحدث مع إسلام أون لاين، حيث تحاول الجمعية التى تشرف عليه تغيير شكله ومضمونه، بزعم أن فيه أفكارا لا تناسب أفكار الجمعية، والأمر ليس بعيدا عن السياسة، والصراع ضد تيار يمثله القرضاوى، وتيار يمثله السلفيون فى الجمعية ممن يرون أن انفتاح الموقع وما يقدمه من أفكار ومناقشات أمور تتعارض مع إسلامهم أو تصورهم عن الإسلام. القضية هنا هى أن العاملين فى إسلام اون لاين راحوا ضحايا غرائز ومطامع بعضها معلن والبعض خفى.
و لايمكن اعتبار إسلام اون لاين إنجازا لفرد أو جمعية، بل هو إنجاز لكل من أسسوه وعملوا فيه طوال سنوات قدموا فيه خدمة خبرية وثقافية ساهمت فى فتح مجالات وآفاق، وحققت نجاحا يثير غضب البعض ممن يرون مجرد ظهور المرأة فى الموقع أمر لا يناسب الإسلام ويرون أن المناقشات والأفكار والاختلاف فى الرأى يورد الأمة التهلكة.
الدكتور القرضاوى دعم إنشاء إسلام أون لاين لأنه يفهم إلى درجة كبيرة شكل الإسلام والعالم والحوار وأن البشر ليسوا جميعا قالب واحد، لقد كان موقف القرضاوى مع العاملين متسقا مع صورة الشيخ واحترامه.
وقرار الشئون الاجتماعية القطرية بحل مجلس إدارة الجمعية وإبعاد الشيخ القرضاوى عن رئاسة إسلام أون لاين بعد موقفه المتضامن مع الصحفيين، تزامن مع هجوم على عدد من العاملين فى الموقع والتشكيك فيهم ورميهم بأنهم يكتبون فى مواقع علمانية، ويبدو من الحملة التى تنظمها الجمعية القطرية أنها تستخدم بعض المواقع التى اعتادت العمل لمن يدفع فى تشويه صورة العاملين فى إسلام أون لاين لتبرير الانقضاض عليه، وهى لعبة مفضوحة، ويجب أن ينتبه لها كل من يدافع عن حق كل صحفى وإعلامى والعمل دون أن يظل ضحية لأهواء وخلافات سياسية أو مذهبية.
وإذا تابعنا بعض ما يكتبه بعض المدعين حول الأزمة نكتشف إلى أى مدى بدأت مطامع البعض فى الفوز بالموقع بعد اقتناصه، والحقيقة أن إسلام أون لاين نجح بسبب درجة الحرية التى ميزته عن كثير من المواقع المتجهمة، ونظن أن محاولات تغييره حسب هوا الجمعية القطرية حكم بقتله والقضاء عليه.
وكل ما يهمنا هنا حقوق العاملين فى مثل هذه المؤسسات التى تفتح بقرار فردى وتغلق بقرار فردى، بينما تضيع الحقيقة، وكيفية ضمان حقوق العاملين وضمان عدم تحول الصحفى أو الإعلامى إلى مفعول به يفقد عمله ومصدر رزقه فجأة بسبب هوى أو قرار فردى، ويفترض أن تسعى نقابة الصحفيين لدعم حقوقهم وبحث كيفية أبعاد الصحفيين والإعلاميين عن أهواء الصراعات السياسية والمذهبية.