ياسر أيوب

إياكم أن تنخدعوا بحديثهم عن محاربة الفساد

الجمعة، 05 مارس 2010 12:32 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا أتخيل مصر، أو أى بلد فى الدنيا، بدون فساد وفاسدين وخروج فادح وفاضح على القانون والأخلاق والمبادئ والحدود، فالشياطين سيبقون دائما يعيشون على الأرض، قتلة ولصوصا ومجرمين ومعدومى ضمائر، يتاجرون بكل شىء وينشدون الثروة أو السلطة أو المتعة مهما كان الثمن وعدد ضحاياهم.

ولكن المشكلة أننا فى مصر نتخيل أن الكشف عن أى قضية فساد هو أقصى ما نستطيعه أو نملكه، بمجرد الإعلان عن القضية، تشعر الحكومة ومسئولوها بالسعادة وينشط الإعلام ونجومه فى ممارسة الكلام والشماتة والسخرية والاتهام، فيشعر الناس ببعض الراحة وبعض الأمل، ثم سرعان ما ينتهى كل شىء أو يرجع كل شىء لسابق حاله.

لم نتعلم أبداً فى مصر أى شىء من أى قضية، لم تتغير الحياة والقواعد فى مصر بعد الكشف عن أى قضية فساد كبرى أو صغرى، وعلى سبيل المثال، كلنا مشغولون الآن بملف فساد العلاج على نفقة الدولة، وكيف استغل نواب الشعب نفوذهم البرلمانى للمتاجرة والتربح بأموال رسمية مخصصة لعلاج الغلابة والفقراء، ويحفل الملف بمفاجآت صارخة ومزعجة بدأت تتكشف يوما بعد يوم، وجودت الملط رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات يؤكد أن الموضوع أكبر وأخطر مما نتصور، وأحمد نظيف رئيس الوزراء يبدى أسفه ودهشته وانزعاجه، ويوسف بطرس غالى وزير المالية يطمئن الجميع بأن هذا الأمر أبداً لن يتكرر.
وكل هذا جميل ورائع، لكنه للأسف، سرعان ما نكتشف أن الحزب الوطنى أهدى هذا الملف للناس كمجرد لعبة وتسلية وقرص مسكن لمواجعهم، أو حقنة مخدرة تلهى الجميع عن بقية جروحهم وعذاباتهم، لأنه فى الانتخابات البرلمانية المقبلة، سنجد الحزب الوطنى يخوضها وقوائمه تتضمن نفس هؤلاء النواب الذين اكتشفنا الآن أنهم يسرقون أموال علاج الفقراء والبسطاء، لا شىء سيتغير.

لن يشعر مسئولو الحزب الوطنى بأى حرج أو خجل من أن يتركونا اليوم نهاجم ونشتم نوابا تحت قبة البرلمان ثبت أنهم غير أمناء وغير شرفاء، ثم سيطلب منا الحزب غدا انتخاب نفس هؤلاء النواب ليبقوا نوابا عنا يدافعون عن حقوقنا ومصالحنا، أو بمعنى أدق سينجح هؤلاء النواب وسيبقون تحت القبة بصرف النظر انتخبهم الناس أم اختاروا غيرهم أو لم يخرجوا من بيوتهم أصلاً.

وهو ما يجعلنى الآن أعتذر عن عدم المشاركة فى هذه المسرحية الدائرة بشأن قضية العلاج على نفقة الدولة وفضائح نواب الشعب، فلم يعد شرفاً لى أو لأى صحفى مشاركة الحزب وحكومته ومؤسساته فى خداع الناس، ولن أحترم بعد الآن حديث أى مسئول ولن ألتفت لتحقيقات أى جهاز ولن أقرأ أى مانشيتات زاعقة وصفحات ملونة طالما أنها فى النهاية لن تحمينى أنا وأولادى وبلدى من تكرار هذا الفساد مرة أخرى بمنتهى التعمد والسبق والترصد.

وكنت أتخيل أن يبادر الحزب فور انفجار هذه الفضيحة وبعدما قرأ الناس أسماء هؤلاء النواب بالإعلان عن استبعاد كل هؤلاء الذين ثبت فسادهم من دوائر الحزب ومن قوائم انتخاباته المقبلة، ولكن أبداً، لم ولن يحدث أى شىء، كل شىء سيبقى على حاله، سيتركون لك، كمواطن فى هذا البلد، حق الحزن الصامت والضيق والأسى، سيسمحون لك أيضا بأن تشعر بالغيظ من هذا الحزب الذى يعتمد وينجح بكل هؤلاء الفاسدين واللصوص ثم يأتى فلاسفته ومفكروه وبراءة الأطفال فى أعينهم وهم يتساءلون لماذا دائما ينجح الإخوان المسلمون؟!

وهكذا، أرجوكم ألا تصدقوا بعد الآن أى كلام رسمى يقال عن التصدى لفضيحة العلاج على نفقة الدولة، فلا النواب الذين تاجروا بالحياة سيتغيرون، ولا المسئولون الكبار الذين سمحوا ووافقوا على كل ذلك سيطالهم أى عقاب، تماماً مثلما أرجوكم ألا تصدقوا أن مذبحة عيد الميلاد فى نجع حمادى هى مجرد فتنة طائفية تم احتواؤها ولن تتكرر من جديد مستقبلا، فأنتم كالعادة تتعرضون لعملية خداع جديدة أظنكم بدأتم تعتادون عليها، فما جرى فى نجع حمادى قد يبدو ظاهراً فتنة طائفية ومسلماً يقتل أقباطاً ليلة احتفالهم بالعيد، بينما هو فى الحقيقة منتهى الفساد السياسى والأمنى الذى لا علاقة له بأى دين بل لا يحترم أصحابه أى دين أصلا، فبعيداً عن الأوراق المعلنة لهذه المذبحة، هناك مجرمون آخرون ورجال أعمال امتلكوا المال واشتروا به السلاح والبشر والنفوذ ورجال الأمن ومقاعد وثيرة تحت قبة البرلمان.

وفى النهاية تبقى قضية الوزير السابق، محمد إبراهيم سليمان، والتى لا يمكن الحديث النهائى عنها طالما أنها لا تزال أمام القضاء انتظارا للفصل فيها، وقد تثبت إدانة الوزير السابق أو تتأكد براءته، ولكننى فقط أرجو لو ثبتت الإدانة، ألا تتم محاسبة الوزير وحده دون الآخرين الذين بقوا سنوات طويلة على قمة السلطات السياسية والتشريعية والأمنية بينما هناك وزير يمارس فساداً دائماً، فهم بالتالى عجزوا عن كشف هذا الفساد ولم ينتبهوا ولم يراعوا مصالح الوطن والناس، أو كانوا يعرفون بكل ما يجرى وبالتالى هم شركاء فى كل هذا الفساد.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة