ربما يستطيع وزير التعليم أحمد زكى بدر إثارة ذعر المدرسين والنظار فى المدارس لعدة أسابيع، لكن لا أظن أن جولاته التليفزيونية التى يستعرض فيها قوته يمكن أن تنتهى إلى إصلاح نظام التعليم العائم على الفوضى. وبالكثير يمكن أن تشهد حالة من النظافة والنظام المؤقتة لزوم التفتيش، تنتهى بعد الفاصل. وقد فقدت تفاؤلى من خطوة الوزير بمواجهة تداخل المصالح فى وزارة التربية والتعليم وإلغاء انتداب خبراء المناهج المتواطئين، ضاع التفاؤل عندما اكتشفت أننا أمام وزير يفضل الاستعراض، والكاميرا الخفية.. الوزير زكى بدر اختار الطريقة الأسهل عندما زار مدرسة فى حلوان فجأة، واكتشف حسبما نقلت الكاميرات المرافقة له أن المدرسة متسخة وخالية من المعلمين والعمال والناظر.
الكاميرات المصاحبة للوزير نقلت غياب النظافة وغياب النظام ووصف الوزير للمدرسة بأنها مزبلة. بدر أعلن أمام الكاميرات أنه قرر نقل الطاقم كله إلى الفيوم والناظر إلى المنيا. كان حريصا على الظهور بمظهر كوميدى أمام الكاميرات، ومعه عدد من التابعين يضحكون من كلامه تأكيدا على خفة دمه وهو يسخر من انهيار التعليم. ويواجه هذا بتعليمات لا يتوقف ليعرف إن كانت مطابقة للقانون وهل نقل المخطئ عقابا له أم للمكان الذى ينقل إليه، وهل الغرض من معاقبة المخطئ هو التنكيل والتشهير به أمام كاميرات التليفزيون. ربما يظن أحمد زكى أن هذا يردع الآخرين، لكنه لا يعرف أن أغلبية مدارس الحكومة تغرق فى فوضى تحتاج لأكثر من استعراض العضلات فى برنامج الكاميرا الخفية.
زكى بدر بدا يستعرض قوته وسلطته فى مواجهة موظفين وسط فريق تصوير وصحافة كامل يقدم صورة الوزير كرجل حاسم وشغال وبيصحى بدرى، وهى عادة ترتبط بكل وزير جديد لعدة أسابيع سرعان ما تنتهى وترجع "ريما لعادتها القديمة".
بدر تعامل بطريقة شائعة تعتبر الصعيد منفى للمخطئين وليس رغبة فى فهم نظام التعليم ومشكلاته وأمراضه المتراكمة من عقود. الوزير الذى يبدى اهتماما بالربط والضبط ويستعرض قوته على الغلابة لم يلتفت إلى مظهر المعلمين والعاملين ولا إلى أن هناك أكثر من نصف مدارس الوزارة تعيش أجواء مدرسة حلوان التعيسة. لم يتوقف عند عدد التلاميذ فى الفصول ولا إلى كون المدارس أصبحت مثل عنابر الفراخ تزدحم بأضعاف طاقتها.
وبالطبع لا يمكن تبرير الخطأ لكن التعليم لن يصلح بحركات استعراضية وتوجيه إهانات للمعلمين المخطئين واتخاذ قرارات عنترية غير مدروسة تضر آخرين وتخل بالتعليم. هل فكر وزير التعليم فى زيارة مدرسة خاصة ليبحث عن القانون ويعرف أنها تستغل شبابا غير مؤهل للعمل فى التدريس وتمنحهم رواتب ضعيفة وتتركهم للدروس الخصوصية، هل يجرؤ على زيارة مدرسة خاصة ليعرف أنها تضاعف الرسوم ولا تقدم معلمين مؤهلين وبها إهمال ونقص فى التعليم، هل يعلم الوزير أن هناك مدارس تتجاوز نسبة الغياب فيها النصف.
الزيارات المفاجئة يمكن أن تثير ضحك الوفد المرافق للوزير، أو تثير حالة نميمة ظريفة بين جمهور الفرجة على الفيس بوك. لكنها لا تقترب من فساد التعليم وفوضى تمتد من أحوال المعلمين إلى تكدس الفصول وآفات الدروس الخصوصية. وهى أمور تحتاج إلى أكثر من كاميرا خفية.