لا نعرف ما هو سبب هذه الشجاعة المتأخرة، التى أصابت بعض كبار النواب فى البرلمان، لتدفعهم إلى إعلان غضبهم البالغ وتأثرهم الشديد بعمليات النهب والسرقة التى جرت خلال سنوات فيما سمى خطأ بالخصخصة، واتضح أنها كانت عملية سرقة فى وضح النهار وتحت سمع وبصر وبمعرفة الجميع.
وقد اكتشفنا أن مصر دولة غنية جداً تبعزق فلوسها شمال ويمين، ومن خلال المناقشات الهادئة، التى دارت على مسرح مجلس الشعب مؤخراً، علمنا ـ وبعض العلم إثم ـ أن حكومات مصر المحروسة مارست طوال السنوات الماضية عملية نهب ونصب كبرى بمعرفة كبار المسئولين وأمام سمع وبصر البرلمان والسادة الزعلانين، ورأينا نواباً يصرخون على مسرح مجلس الشعب "خيباانة"، سرقة سمسرة، وهذا الكلام الكبير جداً الذى لا يسمن ولا يغنى من نصب.
فقد علمنا من خلال المناقشات، أن 70% من القطاع العام تم بيعه بأقل من ثمنه الحقيقى، وأن 33 مليار جنيه من أموال الشركات التى تم بيعها ذهبت فى صورة سمسرة حصل عليها السادة المخصخصين فى صورة إكراميات، ومع السخونة البادية على وجوه السادة النواب من قيادات الحزب الوطنى الفيروسى، لم نعرف من هم هؤلاء المسئولين الذين باعوا وسمسروا من الخصخصة، مع أنهم معروفين بالضرورة ويفترض ألا يكتفى النواب بالشويتين بتوع "الحرامية والنصابين وعلينا أن نحاكمهم" ثم تنتهى الوصلة ثم يعودوا إلى كراسيهم سالمين، بعد أن ينتزعوا تصفيق المصفقين وتشجيع المشجعين، هؤلاء النواب كانوا نواباً عندما جرت عمليات البيع، والبرلمان نفسه شهد مناقشات واعتراضات، لكن نفس نواب الوطنى الذين يذرفون دموع النواب على الأموال المهدرة دافعوا وكافحوا من اجل إفساد أى اعتراض، وبالتالى فهم مسئولون والبرلمان مسئول عما تم من فساد وسمسرة، لأن البرلمان من وظائفه الرقابة على المال وعلى تصرفات الحكومة، وبالتالى فهو شريك فى عملية البيع والسمسرة التى صمت عليها.
وإذا كان النواب جادين ولا يمارسون الغضب على سبيل الاستعراض، عليهم أن يطالبوا بتشكيل لجنة شعبية وأن يطلبوا ملفات البيع والخصخصة ليعلنوا أسماء المسمسرين والمخصخصين، عندها فقط يمكن أن نصدقهم وهم يتحدثون فساد وحرامية وسمسرة، حتى لا يظل الموضوع مجرد "توك شو" لا يغنى ولا يسمن، ولا يظل الأمر مجرد صراخ على سبيل التسلية البرلمانية.