مازلنا فى موضوع رشوة مرسيدس لمسئول مصرى وعدد من المسئولين فى 22 دولة بالعالم من أجل ترويج سياراتها. القضية يمكن أن تقدم تفسيرات لبعض القضايا الغامضة فى عالم الفساد بين الشركات الكبرى، وبين المسئولين الحكوميين الكبار. ومن المدهش الاهتمام برشوة مرسيدس وتجاهل ما أعلن خلال الأسبوع الماضى أن مسئولين حصلوا على 33 مليار جنيه سمسرة من الخصخصة. وهى ليست رشوة ولا اثنتين بل عشرات الرشاوى التى حصل عليها مسئولون مازالوا يعيشون بيننا بعضهم حصل على مناصب كنوع من التكريم.
لقد ظللنا نسمع أغانى الخصخصة باعتبارها المنقذ من الضلال، وأنها التى سوف تنقذ الاقتصاد من الضياع، بشرونا باقتصاد حر لا يأتيه الفساد من الأمام أو الخلف. يفتح أبواب الفرص للجماعات والأفراد، وافقنا على اقتصاد فوضوى لا هو رأسمالى ولا اشتراكى، ظلت الدولة تدس أنفها فى كل شىء، وبقيت السياسة مؤممة ومصادرة، مع أن الحريات السياسية جزء من الحريات الاقتصادية. وسوف نكتشف أن الذين حصلوا على رشاوى مرسيدس، هم أنفسهم أو مثلهم من حصلوا على رشاوى الخصخصة. وإننا أصبحنا مثل رجل باع منزله من أجل أن يوصل له الكهرباء.
لقد كشفت المحكمة الأمريكية وجود فساد فى صفقات مرسيدس واستدعت المسئولين والملفات، فهل يمكن أن نرى محكمة مصرية تستدعى المسئولين على ملفات الخصخصة، وتستمع لشهادات هؤلاء الذين كانوا أطرافا فى عمليات البيع، ونعرف من الذى ارتشى ومن الذى حصل على عمولات؟. السؤال يبدو ساذجا مع وجود أطراف داخل النظام تواصل عملها بالرغم من تورطها.
هناك أطراف مختلفة اشتركت فى عمليات البيع والتصفية لشركات الأسمنت والحديد والغزل والكتان والمراجل، وكلها صفقات شهدت تساؤلات واعتراضات، أغلقها مجلس الشعب، ورفض مناقشتها.
وبالتالى فإن محاكمة الخصخصة والمسئولين عنها يمكن أن تكون محاكمة لعشرات من المسئولين الذين خربوها وجلسوا على تلها.
لقد دفعت مرسيدس عدة ملايين من أجل أرباح تقدر بحوالى ٥٠ مليون دولار. فإذا كان المخصخصون حصلوا على 33 مليار جنيه سمسرة، يمكننا تصور حجم الأرباح التى حققها المشترون. ولم نر أى شعور بالدهشة لدى نواب البرلمان، باستثناء بعض الغضب المسرحى، والحديث عن الحرامية بشكل نظرى كأننا نتحدث عن حرامية فى التليفزيون. لن نصدق نوابا يصرخون ويذرفون الدموع على الفساد دون أن نرى فاسدا واحدا. إنها قضية فساد معلن، دارت على الهواء وكل أطرافها حاضرون.. ومرتشون.