استكمل قراءاتى الخاصة لكتاب " رحيق العمر " للمفكر الكبير الدكتور جلال أمين، والذى يروى فيه سيرته الخاصة .
قلت بالأمس ان الدكتور جلال ذكر ان السنوات الثلاث من ( 1955 حتى 1958 ) هى السنوات المدهشة فى تاريخ مصر والتى انعكست عليه وعلى إخوته ايجابيا،، ويكشف عن أنه انخرط فى هذه الفترة فى نشاط حزب البعث،، وما يسمى بفرع الحزب فى مصر،، وانضم اليه مع جلال مجموعة من أصدقائه،، وأعضاء جدد جذبتهم أفكار حزب البعث البسيطة والواضحة ( وحدة _حرية _ اشتراكية )،، وشخصية رئيس الحزب ميشيل عفلق الذى كان يلتقى بهذه المجموعة كلما جاء الى مصر .
يلقى جلال الضوء على جانب من الاجتماعات التى كانت تتم بين البعثيين وقتئذ،، مشيرا الى أن الحلقة كانت تضم مجموعة من خمسة أ وستة أشخاص،، تبدأ الاجتماع بأن يقف رئيسها،، وكثيرا ما يكون جلال نفسه،، فيقول " أمة عربية واحدة "، فيجيبونه بصوت واحد " ذات رسالة خالدة "،، ويؤكد جلال انه لم يرى فى مثل هذه الطقوس أى غضاضة،، بل لا يرى حتى الآن فى هذا الشعار شيئا يستدعى الخجل.
يتذكر جلال أمين أن أكثر ما يلتصق بذهنه عن هذه الفترة لقاء ميشيل عفلق بالصحفى الماركسى لطفى الخولى،، ويقول، انه كان حاضرا هذا اللقاء بالاضافة الى الشاعر فاروق شوشة وجرى فى عام 1956 أ و1957،، ويضيف، كان لطفى الخولى شخصية قوية،، لسنا فصيحا،، له قدرة نادرة على الجدل،، يمكنه الدفاع عن أى موقف كالمحامى البارع،، ثم ينقلب إذا شاء الى الدفاع ببراعة أيضا عن الموقف المضاد،، وكان وقئتذ ماركسيا نشيطا ويكتب فى إحدى الصحف اليسارية التى سمح عبد الناصر بظهورها فى هذا الوقت .
يشير جلال ان لطفى الخولى وزملاءه لاحظوا تقارب عبد الناصر وحزب البعث فى سوريا،، وتكرر لقاء عبد الناصر بمشيل عفلق عندما يأتى عفلق الى القاهرة،، مع كرة الحديث عن احتمال توقيع اتفاق للوحدة بين مصر وسوريا،، والذى حدث عام 1958،، وفى ظل هذه الأجواء،، كما يقول جلال،، خطر للطفى الخولى أن يجرى حديث مطولا مع ميشيل عفلق لينشره فى جريدته،، وطلب عفلق من جلال أن يحضر هذا اللقاء،، ويقارن جلال بين عفلق والخولى مؤكدا أنهما كانا على النقيض من بعضهما تماما،، فالخولى فصيح كثير الكلام وعالى الصوت،، مصمم على الانتصار فى أى معركة كلامية،، ول وكلفه ذلك اللعب بالألفاظ والتنكر للحقيقة،، أما عفلق فكان بطئ الكلام لدرجة غير معهودة،، يفكر كثيرا قبل أن ينطق بأى كلمة،، منخفض الصوت،، ولكنه لا يحيد عما يعتقد أنه الحق،، ولهذا تعل ووجهه أثناء الكلام ابتسامة جميلة تعكس نفسا جميلة بدورها.
يستكمل جلال ذكرياته عن قصة اللقاء قائلا أنهم جلسوا فى حجرة لطفى الخولى،، وكان الشباك مفتوحا،، فسأله الخولى من باب الأدب،، عما إذا كان يفضل أن يغلق الشباك،، فقال عفلق بعد لحظة صمت طويلة " يعنى " ( أى أنه لا يبالى بما إذا ظل الشباك مفتوحا أ وأغلق ) فلما كرر لطفى الخولى السؤال،، قال عفلق بعد لحظة أخرى " والله " ( قاصدا نفس المعنى )،، وهكذا بين " يعنى " والله.. لم يعرف لطفى الخولى ما يجدر به أن يفعل،، ويضيف جلال أنه لا يذكر شيئا آخر من هذا اللقاء إلا هذه الحيرة بين " يعنى " والله،، ولا يذكر أيضا إذا كان الشباك قد أغلق أ وظل مفتوحا، ويختتم جلال ذكرياته عن مرحلة البعث فى حياته قائلا أن نشاطه فى حزب البعث ولقاءاته المتكررة مع ميشيل عفلق كانت مصدر سرور بالغ له،، ويؤكد أنه يشعر الآن ببعض الفخر بما بذله من نشاط فى الحزب وعلى الأخص قيامه بإعداد بعض أحاديث عفلق وطباعتها على نفقته الخاصة،، ويضيف أنه لم يكن يتصور فى ذلك الوقت أن يصعد حزب البعث الى أعلى عليين فى النفوذ السياسى والسيطرة على الحكم فى سوريا والعراق،، ولا أن ترتفع مكانة عفلق الى تلك المكانة الرفيعة التى رفعه إليها، وصول الحزب الى الحكم فى سوريا أولا، ثم فى العراق،، ثم أن يصيب الحزب ورئيسه بعد ذلك ما أصاب الطائر الذى قال عنه الشاعر القديم " كما طار وقع " .
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة