المرضى عندنا راضون عن مرضهم وأحوالهم، ويكادون يرقصون طرباً من سعادتهم بما يعانونهم من أمراض، هكذا يقول لنا ولكم الدكتور أحمد رئيس الوزراء والدكتور حاتم وزير الصحة، وعلى المقيمين خارجها مراعاة ظروف المرض والفقر والجهل.
ذهب الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبوع الماضى لافتتاح مستشفى القاهرة الجديدة، وهناك وقف ليعلن "من فوق هذا المنبر" أن الخدمة الصحية تطورت فى مصر كثيراً، وأن استطلاعات الرأى التى تجريها الحكومة لنفسها، تثبت بما لا يدع مجالاً للمرض أو الفقر أو الجهل أن المريض عندنا يحصل على العلاج حتى قبل أن يمرض.
وطبعاً الدكتور نظيف ربما لم يسمع عن ملايين المرضى الفقراء الذين يموتون بعد توقف صدور قرارات العلاج على نفقة الدولة، ولم يسمع من قبل عن أرقام المرضى بالأمراض المزمنة والخطيرة كالكبد الوبائى والفشل الكلوى والسرطان، ممن لا يملكون ثمن قرص دواء، ومع هذا يقول لنا إن كل هؤلاء المرضى أعلنوا من فوق أسرتهم أنهم راضون مبسوطون وسعداء بالخدمة الصحية وبأحوال المستشفيات التى أصبحت تنافس فنادق النجوم الخمسة والأمراض الخمسة.
ويتساءل المرء عن المكان الذى يستقى منه رئيس الوزراء الدكتور نظيف معلوماته، ربما من القرية الذكية التى أصبحت على درجة من الذكاء تجعلها قادرة على اكتشاف رضا المصريين وانبساطهم وسعادتهم.
ولولا الملامة ربما رقص المرضى طرباً من كثرة الاهتمام الذى يلاقونه، وأعلنوا تأييدهم للحكومة والحزب الوطنى، كما أنهم سيشكرون الظروف والدكتور نظيف والدكتور حاتم على كل ما يقدمونه من خدمات جليلة، ولولا الملامة لوجهوا شكرهم إلى المرض الذى جعلهم يكتشفون طيبة قلب الحكومة، وروعتها ورغبتها فى علاج مواطنيها وحملهم على كفوف الراحة إلى رحمة الله.
وإذا تركنا تصريحات الدكتور نظيف والدكتور حاتم وانتقلنا إلى عالم المرض فى مصر نكتشف حسب إحصاءات وزارة الصحة نفسها أن عدد المصريين المصابين بفيروس سى النشط 7 ملايين والخامل 14 مليوناً وإصابة 273 شخصاً بالسرطان يومياً، ومع أن نواباً فى مجلس الشعب قدموا 12 استجواباً وطلب إحاطة، قالوا فيها إن مصر تحتل المركز الأول عالمياً فى انتشار أمراض الكبد والكلى والسرطان، وهو أمر يفترض أن يجعلنا نشعر بالسعادة والهناء و"الشيرين"، لأننا نتقدم دول العالم فى أرقام المرضى، ويمكننا بسهولة أن نفوز فى أى أولمبياد للمرض.
وزير الصحة وقف أمام نواب المجلس، وقال لهم إن أحوال الصحة على خير ما يرام وكل ما يقال مجرد شائعات، وأنهم واهمون، وانتهت هذه الطلبات والاستجوابات إلى الفراغ.
والحقيقة أن لدينا أدلة دامغة على أحوال الصحة تتحسن والمرضى راضون عن الخدمة، منها أن الدكتور نظيف والدكتور أحمد والدكتور يوسف وكل السادة الوزراء يعالجون فى الخارج كدليل على ثقتهم فى النظام الصحى البلدى.
وعليه.. لا يهم الإنسان أن يمرض طالما لديه حكومة تعتبر العلاج حقاً أصيلاً، حتى لو لم تعطه هذا الحق فى الدنيا وأرسلته له فى المشرحة أو الآخرة.