التوجه الإيرانى نحو أفريقيا يأتى فى سياق التحول فى أهداف السياسة الخارجية الإيرانية، من مجرد محاولة مواجهة الظروف المحلية الطارئة وتلبية الاحتياجات فى ظل معطيات الوضع القائم، إلى محاولة التعرف على المناخ الدولى المحيط وتهيئته بما يحقق أكبر قدر ممكن من المصالح الإيرانية، لا سيما أن أفريقيا تمثل لها بوابة الخروج الحرّ نحو العالم عبر المياه الدولية، وتوفر لها فى الوقت ذاته محطات تجارية وغير تجارية على المحيطين الهندى والأطلنطى.
من هنا تأتى زيارة الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد الجديدة لأفريقيا فى زيمبابوى وأوغندا والتى تضيف المزيد إلى رصيد علاقة دولته مع دول القارة السمراء.
والاهتمام الإيرانى بأفريقيا ليس بجديد وإنما يعود للستينيات والسبعينيات وإن تراجعت بعد قيام الثورة الإيرانية والانشغال فى الحرب مع العراق، ثم عادت مع التسعينيات وقام الرئيس السابق محمد خاتمى بزيارة إلى سبع دول أفريقية فى يناير 2005 كانت المنعطف الأبرز فى التعاون مع أفريقيا.
وفى 29 يناير 2008 أعلن وزير الخارجية الإيرانى منوشهر متقى أن هذا العام سيشكل حدثاً هاماً فى العلاقات بين إيران وأفريقيا، وبعد ثلاثة أيام وأثناء حضوره لقمة الاتحاد الأفريقى فى أديس أبابا أعلن متقى استضافة طهران للاجتماع المقبل لوزراء الخارجية الأفارقة.
الجولة الأخيرة لنجاد تستهدف بعيدا عن الأهداف الدينية والمذهبية كسب تأييد الدول الأفريقية للمواقف الإيرانية، خاصة أحقيتها فى امتلاك تكنولوجيا نووية سلمية، إلى جانب رغبتها فى القيام بدور يتجاوز الإطار القومى.. بل الإقليمى، الأمر الذى يساعدها على امتلاك العديد من الأدوات التى تمكنها من المساومة فى مواجهة الضغوط الدولية المتزايدة عبر بناء عدة محاور، تؤثر فى إعادة تشكيل توازنات القوى.
كما أن هناك أهدافا اقتصادية لإيران فى أفريقيا لا تخفى على أحد، ومنها الحفاظ على أسعار النفط وتفعيل منظمة أوبك لتعبّر قراراتها عن الدول المنتجة وليس المستهلكة للنفط، فنيجيريا إحدى القوى النفطية الكبرى على مستوى العالم، ومالى بها جالية شيعية ضخمة، والسنغال سوق تجارية وعاصمة ثقافية ذات تاريخ عريق، والنيجر تظل مصدرًا محتملاً لليورانيوم وحاولت جنوب أفريقيا-الحليف القوى- القيام بالوساطة بين إيران وبريطانيا وفرنسا وألمانيا؛ لتسويق مقترحاتها لحلِّ مشكلة الملف النووى الإيرانى، أما زيمبابوى فتشترك مع إيران فى معارضتها للسياسة الأمريكية.
ولإيران رغبة فى الوقت ذاته فى الانفتاح الاقتصادى وجذب الاستثمارات الأفريقية إليها، وتعزيز التبادل التجارى كما أن القارة سوق مواتية لتسويق المنتجات الإيرانية.
وتشير تقديرات إلى أن حجم التبادل التجارى بين إيران والدول الأفريقية يصل إلى حوالى 300 مليون دولار سنويًّا وهو مرشح للارتفاع خلال السنوات المقبلة.
وهكذا سعت إيران لتأسيس وتعزيز علاقاتها مع العديد من الدول الأخرى فى القارة الأفريقية مثل السودان وكينيا ومالوى وكوت ديفوار وليسوتو وموريتانيا ومالى وناميبيا، وعملت طهران على تكريس دعم هذه الدول للبرنامج النووى الإيرانى. بالتأكيد هناك تحديات تواجه إيران فى توجهها على خلفية دينية تتعلق بالنفوذ الشيعى، بالإضافة إلى أن التغلغل الإيرانى بات يؤرق قوى دولية أخرى وأعداء تقليديين ولكن لا يمنع ذلك من التحرك فى إطار المصالح العليا.
التواجد الإيرانى فى أفريقيا يقابله غياب مصرى وعربى وكانت نتيجته الأزمة التى تعيشها مصر مع دول حوض النيل ويثير السؤال المزعج والمؤلم «وأين مصر الآن من أفريقيا؟».