فى اليابان يعنى ظهور السيارة المرسيدس وهى تسير فى شوارع طوكيو أو فى إحدى المدن اليابانية أن من بداخلها من أعضاء البعثات الدبلوماسية الأجنبية أو زائر رفيع المستوى للبلاد، فاليابانيون يقدسون ما صنعت أيديهم ولا يستخدمون فى تنقلاتهم سوى سياراتهم المعروفة التى تغزو العالم.
أما فى مصر فإن ظهور المرسيدس بأنواعها ومسمياتها المعروفة شعبيا مثل الخنزيرة والتمساحة وأم عيون جريئة فليس له سوى معنى واحد وهو أن صاحبها من علية القوم أو مسئول كبير أو وزير.
ولأن هذا هو الفارق بيننا وبين اليابان فإنه من الطبيعى أن تكشف وزارة العدل الأمريكية عن قيام شركة دايملر- بنز الألمانية المنتجة لسيارات المرسيدس بدفع عشرات الملايين من الدولارات كرشاوى لمسئولين فى عدة دول منها مصر لتسيير أمور الشركة، والفوز بعروض صفقات بيع السيارات وأشياء أخرى لا نعلمها.
لكن السؤال من هم هؤلاء المسئوليين؟ هل مازالوا فى مناصبهم؟ ولماذا لم تكشف الحكومة عن أسمائهم الآن بدلا من الصمت المريب واللف والدوران حول القضية الفضيحة بتريرات واهية وحيل مكشوفة. فالمسكوت عنه الآن سيكشف عنه فى القريب العاجل أمام المحاكم الأمريكية بعد أن قررت وزارة العدل هناك إقامة دعوى قضائية ضد شركة دايملر بنز، لأن القانون الأمريكى يحظر على الشركات العاملة فى الولايات المتحدة القيام بدفع أموال بطرق غير مناسبة إلى مسئولين فى بلدان أخرى.
وبالتأكيد ستضطر الشركة الألمانية أمام القضاء إلى كشف كافة الحقائق والوثائق بأسماء المسئولين الذين حصلوا على مبالغ طائلة كرشاوى من الشركة ووقتها ستكون فضيحة بجلاجل لهؤلاء المسئولين أمام الرأى العام.
هنا يبقى من الأولى أن تسارع حكومة الدكتور أحمد نظيف وهى غير المتهمة فى القضية بالكشف عن السادة المرتشين من باب كسب المصداقية والشفافية أمام الناس وإبراء ذمتها وإخلاء مسئوليتها من الفضيحة التى كشفت عنها وزارة العدل الأمريكية، ويصبح كشف الحقيقة "بيدى لا بيد عمرو" الأمريكانى.
وأيا كانت تبريرات رئيس هيئة الخدمات الحكومية فإن تصريحاته جاءت متناقضة ومرتبكة فقد قال إن السيارة المرسيدس لم تدخل فى خطة الشراء المركزى والاستبدال لأسطول السيارات الحكومية، ثم عاد يقول بأنه من الوارد أن تكون السيارة مرسيدس مدرجة ضمن الخطط السابقة للشراء بالهيئة، وهو ما يؤكد ما ذكرته وزارة العدل المصرية عن الفترة التى قدمت فيها مرسيدس رشاوى للمسئولين المصريين.
الرشاوى والابتزاز لا يتوقف عند شركة مرسيدس فقط وانما يمتد لقطاعات أخرى، وأنا شخصيا أعرف رجل أعمال من إحدى الدول العربية الشقيقة جدا اضطر أمام حجم الرشاوى المالية المطلوبة منه للسماح له بالاستثمار فى مصر دون تعقيد أو عراقيل أن يسحب استثماراته إلى دولة عربية أخرى رحبت به وسهلت له كل إجراءات الاستثمار حتى بلغت استثماراته هناك أكثر من 2 مليار دولار كانت مصر الأولى بها، لكن الفساد المستشرى فى القمة والقاع يدفع الاستثمارات العربية والأجنبية إلى خارج مصر أو الرضوخ والدفع مثلما حدث مع مرسيدس.
وفى ظنى أن قضية رشاوى المرسيدس تحتاج إلى فتح الملف والكشف عن السادة المرتشين سواء فى مرسيدس أو غيرها لم تجد سبيلا للاستثمار فى مصر سوى عبر الدفع للكبار.