عندما كتبت بالأمس عما يواجهه الدكتور البرادعى من انتقادات كان الهدف هو التاكيد على أن أى شخص أو تيار يخوض غمار السياسة عليه أن يستعد لمواجهة خصوم متنوعين وأن يكون جاهزا للرد، لأن الأسئلة مشروعة، ويقلل بقدر الإمكان حجم التناقضات من خلال التركيز على أهداف واضحة وترك التفريعات والمعارك الجانبية، وإذا كانت بعض الاتهامات والانتقادات تأتى من الحزب الوطنى أو من المستفيدين من الوضع القائم، ومن يخافون التغيير خوفا على مراكزهم فإن جزءا من التساؤلات يأتى من أفراد أو جماعات مشغولة بالمستقبل وهؤلاء هم الأهم لأنهم يضمون بين صفوفهم مؤيدين محتملين. حتى لو لم يكن البرادعى أعلن أنه سيخوض انتخابات الرئاسة، فإنه أصبح فى الصورة، وعليه أن يكون مستعدا لخوض جدل أصبح واقعا، لكن على من يطلبون التغيير أن يعرفوا أن المشوار طويل، وأن تكون هناك استفادة مما سبق على اعتبار أن الأمور لم تبدأ الآن.
أما فكرة التغيير نفسها فالقطاع الأوسع من المصريين يطالب بالتغيير، ويبدو فاقد الثقة فيما هو قائم. وهؤلاء ليسوا هم نجوم الفضائيات ولا المكفرين ومحترفى السياسة من اليمين واليسار ولا المستفيدين مما هو قائم. هؤلاء لديهم تساؤلات مهمة أهمها ما الذى جرى ودفعنا إلى مؤخرة العالم، وهو سؤال يجب أن يشغل كل دولة تحتاج للنهوض بدون تهويل أو تهوين، ويرى هؤلاء أن النتائج أقل من الإمكانات، وأن مصر تستحق ما هو أفضل، حتى لو اعترفنا بأننا دولة متوسطة القدرات، فإن الناتج أقل من المتوسط بكثير.
لدينا مشروعات وشركات وأموال وبنوك، وبالرغم من الخصخصة لم نصبح دولة رأسمالية، ولم نبق دولة موجهة، نقف على حافة البين بين، الدولة تمد يدها وأنفها فى كل ركن ونشاط، كل الدول وقفت فى مواقف مثلنا، وتساءلت وتعاملت بصراحة ووضوح مع مشكلاتها. ألمانيا وإيطاليا واليابان بعد الحرب الثانية، الولايات المتحدة نفسها وقفت وتساءلت عن التعليم، أوروبا الشرقية كثير من دولها التحقت بالاتحاد الأوروبى الذى لا يقبل إلا المتقدمين، خلال أقل من عشر سنوات مع أن أحوالها كانت أسوأ منا.
هل التعليم وحده الذى سبب ذلك نحن لم نستقر على نظام تعليمى واحد منذ ربع قرن، لدرجة أننا حائرون أين نضع السنة السادسة الابتدائية، وهل الثانوية العامة سنة واحدة أم سنتين، وهل نعيد الضرب للمدارس أم نرفضه.
المناصب بالواسطة والأبناء يرثون مناصب الآباء، فى الإعلام والطب والصيدلة والسياسة والاقتصاد والقضاء والشرطة. الخريجون بالملايين، يجلسون على المقاهى أو يمارسون مهنا متدنية، يبيعون الكلينكس والأمشاط والفلايات، فى محاولة للتكيف، لا تشكل فائدة ولا تدر عائدا. ولا تفيد الاقتصاد، ولا توجد مشروعات لتدريب هؤلاء الخريجين للاندماج فى الاقتصاد، وعليهم أن يدفعوا الإتاوات، أو يستسلموا للابتزاز فى الشركات التى تشغلهم مؤقتا كمندوبى مبيعات لسلع تافهة، ثم تطردهم بدون أية ضمانات.
أصبح التحايل على الحياة ومحاولة التكيف، النظام يتحايل والحكومة تتحايل والبرلمان يتحايل، والمواطنون، والملابس ملفقة، والطعام ملفق، والعشوائيات اتسعت بأحجام مدن. نظام لا هو رأسمالى ولا اشتراكى، خليط يجمع أسوأ ما فى الاثنين، لا نعرف من يملك ماذا، لا توجد قاعدة للغنى أو الفقر. للعمل أو البطالة. لا قاعدة للترقى أو شغل المناصب. لا فصل بين سلطة تنفيذية وتشريعية. الخصخصة نقل ملكية بعض الشركات من القطاع العام إلى ما يسمى قطاع الأعمال العام، تحت وصاية حكومية وإدارة مركزية. السياسة مصادرة للحزب الوطنى الفاشل والعاجز وحكومته التى تفشل فى اختبارات الزبالة وأنابيب البوتاجاز. والفساد ابن شرعى لتزاوج السياسة بالمال.
البنوك لا عامة ولا خاصة، وسائل الإعلام خليط، وأحزاب بلا ملامح، ويسار يرفع رايات اليمين، ويمين يقف فى الوسط، ووسط خارج الزمن. تعددية فى إطار مركزى، لم يعد التفوق هو الطريق للترقى وشغل الوظائف، الوظائف العليا بالتوريث، لا يمكن تقريبا إلا بمعجزة أن يصل أبناء الفقراء إلى كليات كالشرطة ومناصب كالنيابة والقضاء والدبلوماسية، هذا إذا نجحوا فى الإفلات من حصار التعليم وقفز الحواجز الممتدة من التعليم الأساسى وشروط السن، الدولة تصرف على تعليمهم مليارات، وتبخل على تدريبهم، مما يجعل تعليمهم إهدارا للمال، وتحرم البلد من مواهبهم التى تضيع فى البطالة والإحباط. وأمام هذا الواقع يمكن للمصريين أن يراهنوا على كل من يسعى لتحقيق ذلك، وهو أمر يحتاج إلى شىء آخر غير ما هو موجود، وهؤلاء باتوا متأكدين أن الحزب الحاكم بكل مشتملاته عاجز عن تحقيق هذا، وإن كانوا يوجهون أسئلة إلى البرادعى أو غيره فلأنهم يحتاجون من يحدثهم عن المستقبل. وهو ما يجعل الأسئلة مشروعة تستحق الإجابة.
موضوعات متعلقة...
البرادعى.. معانا ولا مع التانيين
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة