لا أنسى خالى الكبير( رحمه الله ) وهو يبرر لأبى، لماذا يفضل أن يقدم أوراق ابنه إلى المدرسة الثانوية الصناعية فى بنها، بالرغم من حصول الابن على مجموع كبير يؤهله للالتحاق بالثانوية العامة.
قال خالى لأبى: "يا أبو سعيد، النهاردة إحنا فى زمن الصناعة والتصنيع، شوف المصانع فى كل مكان، ومحمود ( ابنه ) لما يتخرج من الصنايع يروح يشتغل فى أى مصنع، هيتعلم فى المصنع حاجات كتير، وبعدين الحكومة زى ما أنت شايف كل كلامها عن الصناعة والعمال، وبعدين شوف الناس اللى خرجت من البلد ( قريتنا ) وراحت شبرا وحلوان يشتغلوا فى المصانع، شوف حالهم بقى كويس، بعد ما كانوا هنا فى البلد غلابة".
كنت طفلا صغيرا، وكان هذا الحوار على ما أذكر فى عام 1970، وأستدعيه الآن بمناسبة عيد العمال، الذى يحل الأول من مايو كل عام.
كان عيدا حقيقيا يوم أن كان للعمال صوتا ووزنا، ومصانع يعملون فيها ويسهرون أمام آلاتها، كان عيدا يوم أن كانوا يشعرون بحق أنهم أساسا فى نهضة بلدهم، كان عيدا يوم أن كانوا قوة ضغط حقيقية تعمل لها السلطات ألف حساب، كان عيدا يوم أن كانوا يتقاضون راتبا يحقق لهم حياة كريمة، كان عيدا يوم أن كانت قلاع مصر الصناعية، لا تقف معهم عند مجرد منحهم الراتب وانتظام العلاوات، وإنما قيام بعض هذه القلاع بتوفير المسكن الملائم، ومعاهد التدريب وغيرها.
عن أى شىء يحتفل العمال بعيدهم بعد أن خرجوا من مصانعهم بفضل أسوأ ما جاءت به الخصخصة، وهى "المعاش المبكر"؟، خرجوا منها إلى بيوتهم لينضموا إلى طابور طويل من البطالة، عن أى شىء يحتفل العمال بعد أن تم بيع المصانع بفضل الخصخصة، وتم تصفية العمالة الماهرة لتتحول المصانع إلى خرابات، عن أى شىء يحتفل العمال بعد أن ضاعت خبرة الواحد منهم، فبدلا من الاستفادة بها، تجد أصحابها ينفقون الوقت، إما فى البحث عن حقوقهم المالية المهدرة، أو الدفاع من أجل ألا يتم لحاق مصانعهم بخراب الخصخصة، هكذا يحتفل العمال بعيدهم، ليس من أجل ما أنجزوه، وإنما لأنه أصبح عادة سنوية ليس أكثر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة