لم يكن الفشل الذى خرجت به الجولة الثامنة عشرة لاجتماعات وزراء الموارد المائية والرى لدول حوض النيل فى شرم الشيخ مفاجئا، لأنه معروف سلفا أن دول المنبع متمسكة بمواقفها تجاه مصر والسودان فيما يخص حصتهما التاريخية، وكذلك رفض الإخطار المسبق عن مشروعات تقوم بها إحدى الدول، وكذلك الإجراء على التصويت بالأغلبية دون الإجماع، تزامن الفشل مع فشل الحكومة المصرية فى إدارة أزمات داخلية طاحنة، فظهرت مقالات غاضبة يفتقد الكثير منها الدقة فى معالجة الموضوع، فى وقت نحتاج أن نتكاتف فيه جميعا، لأن الموضوع لا يخص النظام وحده، علينا أن نعرف فى البداية أن أثيوبيا التى تقود الحملة ضد مصر تعتمد فقط على 1% من مياه النيل، وكينيا 2% وتنزانيا 3% وبورندى 5% والكونغو 1% والسودان 15%، بينما تعتمد مصر على مياه النيل بنسبة 95%، وأن القواعد التى أقرها معهد القانون الدولى سنة 1961 اعتبرت مياه الأنهار موردا طبيعيا مشتركا لا يخضع لسياسة دولة بذاتها، وأقرت مبدأ الحقوق التاريخية المكتسبة فى الموارد المائية، دول المنبع تريد إعادة النظر فى الاتفاقات التى حدثت فى الحقبة الاستعمارية، وهذه الحقبة كما قال فهمى هويدى فى الشروق هى التى أنشأت هذه الدول، وإعادة النظر فيها قد تطلق عنان الفوضى ليس فى دول النيل فقط، وإنما فى أفريقيا كلها، دول المنبع تطالب بإعادة النظر منذ 1995، وهو العام الذى حدثت فيه محاولة الاعتداء على الرئيس مبارك فى أديس أبابا، وبدأت بعده الجفوة التى تحولت فى بعض الأحيان إلى خصومة، دفعت الإسرائيليين والأمريكان إلى كسب أرض جديدة فى المنابع، بضخ استثمارات ضخمة فى الزراعة والتعدين والسياحة، فى ظل غياب مصر ورجال أعمالها (الذين صنعهم النظام)، أثيوبيا رفضت فى 1997 التوقيع على الاتفاق الإطارى لأنهار الدولتين العابرة للحدود الذى أبرمته الجمعية العامة للأمم المتحدة كأساس للتعامل مع دول الأنهار أو المجارى المائية العابرة للحدود الدولية، جبهة الرفض التى تعمل ضد مصر بدعم إسرائيلى أمريكى جعلت تنزانيا وغيرها من دول المنابع بالهضبة الاستوائية ترفض تقاسم المياه التى يحتجزها السد العالى بين مصر والسودان والتى تبلغ 84 مليار متر مكعب سنويا (أى 5% من الأمطار التى تسقط على مناطق المنبع)، وموقف هذه الدول كما قال الدكتور مغاورى شحاتة دياب فى أخبار اليوم لا يرتكز على أساس منطقى أو عملى«حيث إن الادعاء بأن دولتى المصب قد انفردتا بتقاسم مياه النيل خصما من حساب دول المنابع ودون إخطار مسبق بهذا التقسيم هو ادعاء غير صحيح إذا ما قيس بقاعدة حدوث الضرر، فليس ثمة ضرر على دول المنابع، حيث إن هذا التقسيم لحصة تصل بالفعل إلى البحيرة وليس خصما من حصة أى دولة»، ورفضهم للإخطار المسبق فيه تعنت أيضا، لأن مصر والسودان وافقتا على إقامة سدود بالعديد من الدول منها أثيوبيا، وقامت بإنشاء سدود لصالح السودان وأوغندا، سبق أن قال وزير الرى المصرى السابق إن بلاده تتعرض لضغوط أمريكية إسرائيلية لإمداد تل أبيب بالمياه من خلال إثارة «تدويل الأنهار»، وقبل أيام قال اللواء مراد موافى محافظ شمال سيناء إن إسرائيل تلعب دورا قذرا ضد مصر مع دول حوض النيل، وأكد كما نشرت الشروق «أن جهاز الموساد خطط لإنشاء خط أنابيب لنقل مياه النيل من الهضبة الإثيوبية» وأضاف أن مصر «تعى تماما ما تخطط له إسرائيل»، ومع هذا تصدى زكريا عزمى فى مجلس الشعب لعبدالرحيم الغول عندما قال مرحبا بحرب المياه، وقال له إن الرئيس يعالج الموضوع بدبلوماسية ولا أريد انفعالا أو«غلط»، وعنفه أحمد عز أيضا من باب الاحتياط، الدول السبع تعتزم توقيع اتفاقية جديدة يوم 14 مايو المقبل بدون مصر والسودان لتحل محل اتفاقيتى 29 و1959، ومنح دولتى المصب فرصة عاما للتوقيع، والمفترض أن يصل رد رؤساء دول المنبع على رسائل مبارك والبشير بعد فشل جولة شرم الشيخ خلال أيام، ولا نعرف ما سيحمله البريد لنا من أخبار، ولكن المؤكد أن مصر محاصرة بالفعل من كل الجهات، وأن أعداءها فى الجبهة الشرقية نقلوا المعركة إلى الجنوب.