حسناً ما فعلته السفيرة الأمريكية بالقاهرة، مارجريت سكوبى، بإعلانها الصريح والمباشر أن الإدارة الأمريكية غسلت يديها نهائياً من فكرة التدخل فى الانتخابات الرئاسية المصرية القادمة، وأن واشنطن لن تتدخل فى إعداد الرئيس المصرى القادم أو حتى اختياره، ورغم أننى أشك كثيراً فى النوايا الأمريكية، خاصة أن ما تخفيه تلك الإدارة أكثر مما تعلنه، فإننى سأتعامل مع هذا التصريح الظاهرى باعتباره هو أساس التعامل الأمريكى مع الحالة المصرية التى لديها طبيعة خاصة جداً فى قضاياها الداخلية، فالجميع حكومة ومعارضة، مسلمين وأقباطا، اختلفوا فى كل شىء، ولكنهم اتفقوا على شىء واحد، هو عدم تدخل أى أجنبى فى الأجندة السياسية.
تصريح سكوبى جاء مواكبا لزيارة الدكتور.. محمد البرادعى، المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية، لأمريكا، والبرادعى معروف أنه واحد ممن ظهروا فجأة فى لعبة السياسة المصرية، ولديه طموح للتغيير والجلوس على كرسى الحكم، وأصبح السؤال الموجود الآن: هل يعنى ذلك إعطاء أمريكا ظهرها للبرادعى خاصة بعد أن روج معارضوه أنه يجد دعماً من أمريكا.وأنه لن يجد نصيرا له إلا عدة مئات من النخبة اعتقدوا أن الرجل يستطيع أن يتحول إلى بطل شعبى يحظى بحب الداخل والتأييد من الخارج. ولكنهم اكتشفوا فجأة أن الأمريكان باعوا البرادعى والشعب أعطى ظهره له بسبب شخصيته المترددة التى أكدها عدد من المقربين له.
إذن البرادعى فقد الكثير فى رحلته إلى أمريكا، وعودته للقاهرة هذه المرة ستتواكب مع أفول نجمه وابتعاد أنصاره عنه، لأنهم اكتشفوا أن الرجل بدون أجندة أو حتى حماية أمريكية أو جماهيرية يستند إليها. ولا يعنى حصوله على جائزة نوبل أن تكون بوابة العبور لقلوب الغلابة من الشعب المصرى الذى أراد أن يكون البرادعى لهم منقذا، فاكتشفوا أن البرادعى هو الذى يحتاج إلى المنقذ من الورطة التى أدخله فيها بعض الخبثاء من عواجيز السياسة فى مصر، والذين شعروا أن نجوميتهم قد انطفأت فتعلقوا برجل لا يملك أى مقومات سياسية - وهم قصدوا ذلك للعودة إلى الأضواء مرة أخرى- ولكن صدمتهم أمريكا والشارع المصرى، ولن تشفع لهم جمعية التغيير ولا رسائل الإنترنت، فهل نعيد النظر فى رجل أكثر قوة وتأثيراً من البرادعى، لربما يكون أكثر فائدة للحياة السياسية ويستطيع أن «يلعب» سياسة مع نظام محظوظ دائماً لأنه ينتصر فى كل معاركه، ليس بذكائه لكن لغباء الآخرين.