فى سنوات الستينيات كانت الدكتورة "عزيزة الزنجبارية" تدرس اللغة الإنجليزية لطلبة كلية الآداب بجامعة الإسكندرية، لم يكن أحد يعرف إلا اسمها الأول أما لقب "الزنجبارية" هذا فليس هو لقبها الحقيقى، بل أطلق عليها لأنها كانت من دولة "زنجبار"، وكانت الدكتورة "عزيزة" تصحب بعض طلبتها وطالباتها فى سيارتها ماركة "تاونس" إلى منطقة المكس والدخيلة عند التقاء نهر النيل فى نهاية رحلته مع مياه البحر المتوسط، وكانت تستغرق كثيرا فى شرح قدسية النيل بالنسبة لأهلها حيث شكلت مصر وبالتحديد مدينة الإسكندرية دائما بالنسبة لأهل زنجبار المصب المقدس لنهر النيل الذى يبدأ رحلته من زنجبار وجارتها تنجانيقا لذلك فقد حطت الدكتورة "عزيزة" رحالها فى الإسكندرية التى تنتهى بين أحضانها رحلة النيل المقدس وحكت لنا كثيرا الدكتورة "عزيزة" عن المذبحة الرهيبة فى سنة 1964 التى راح ضحيتها كل أفراد عائلاتها ضمن 12 ألف زنجبارى من أصل ربع مليون مواطن هم كل أهل زنجبارعندما قام "عبيد كرومى" بانقلابه على أسرة "البوسعيديين" العمانية ثم دخلت "زنجبار" فى اتحاد مع دولة "تنجانيقا" ليشكلا جمهورية "تنزانيا" بأخذ الحرفين الأولين من اسم كل منهما.
تذكرت وجه الدكتورة "عزيزة" ورحت أسترجع بجهد كبير كلماتها عندما قالت الأخبار عن الاتفاق الذى وقعته "تنزانيا" مع أثيوبيا وأوغندا ورواندا فى مدينة "عنتيبى" بدولة "أوغندا" حول تقاسم مياه نهر النيل على الرغم من مقاطعة مصر والسودان وفى غياب دولتين أخريين تقعان على حوض النهر حيث وقع ممثلو الدول الأربع الاتفاق الذى يجرى التفاوض حوله منذ حوالى عشر سنين بين الدول التسع التى يمر عبرها من أجل تقاسم أفضل لمياه نهر النيل، وبالرغم من تأكيدات الدكتور "محمد نصر الدين علام" وزير الموارد المائية والرى أن توقيع أية اتفاقية منفردة بين بعض دول حوض النيل تعد غير ملزمة لمصر وغير ذات جدوى لأنها تقع خارج مبادرة النيل وتفتقد إلى المشروعية الدولية، إلا أن جميع المصريين باتوا يشعرون بالقلق الشديد بالرغم – أيضا- مما قاله الدكتور وزير الرى المصرى حيث استمر فى التأكيد على أن حقوق مصر المائية مؤمنة ومصانة بحكم الاتفاقيات الدولية ولا مساس بحصتها السنوية والوفاء باحتياجات شعبها من المياه، حيث إن موقف مصر ثابت ومعلن تجاه كافة القضايا المتعلقة بالمياه بدول حوض النيل وأن توقيع أى اتفاقية بدون مصر والسودان غير مجدية لكافة دول النيل وبالأخص دول المنبع، مشددا على أنه فى حالة إصرار دول المنبع على توقيع لأى "اتفاقية منفردة" فإن مصر ستتخذ كافة الإجراءات القانونية والدبلوماسية اللازمة للحفاظ على حقوقها المائية واستخداماتها المائية المختلفة، لكن وزير المياه والبيئة فى دولة "رواندا" الوزير "ستانيسلوس کامانزى" قال: "تفاوضنا على النص الذى وقعناه للتو لمدة عشر سنوات. وإذا لم نوقع اليوم فلتتأكد من أننا سنستمر لعشر سنوات أخرى من دون التوصل لاتفاق، وأساس تجمعنا هو المضى قدما بسرعة ومن المؤسف أن مصر والسودان لم يمکنهما الانضمام إلينا، وبموجب الاتفاقية الأصلية يحق لمصر التى من المحتمل أن تواجه نقصا فى المياه فى عام 2017 حصة تبلغ 55.5 مليار متر مکعب سنويا وهو نصيب الأسد فى جملة تدفقات النيل البالغة 84 مليار متر مکعب، ومصر هى أکبر البلدان العربية سکانا ويتهدد قطاع الزراعة الهش بها بفعل التغير المناخى وربما يتجاوز النمو السکانى الموارد المائية المتاحة بداية من 2017، وتزايدت مخاوف المصريين من التغلغل الإسرائيلى فى أفريقيا، حيث جاءت زيارات الوزير الصهيونى "ليبرمان" المتكررة فى دول أفريقيا بمثابة النظرة الإسرائيلية إلى أفريقيا باعتبارها بوابة خلفية لاختراق نسق الأمن القومى العربى والمصرى تحديدا، وقد ظهر ذلك جلياً فى الأيادى الإسرائيلية التى حاولت العبث فى ملف نهر النيل للضغط على الإرادة المصرية، وقد حاول وزير الخارجية فى النظام المصرى- والعهدة على جريدتى الأهرام والجمهورية- التأكيد على أن "التواجد الإسرائيلى فى أفريقيا لا يعنى أن مصر غائبة ونحن أقوى منهم تواجدا وأسبق فى التمثيل الدبلوماسى حيث كانت أول سفارة لنا فى إثيوبيا منذ 86 عاما بينما يقتصر الوجود الدبلوماسى الإسرائيلى على 50 عاما فقط وأن مصر قادرة على حماية مصالحها وحقوقها فى القارة، بالإضافة إلى الحفاظ على نصيبها من مياه النيل وأنه إذا كان هناك أى تنافس بيننا وبين إسرائيل فنحن قادرون على الانتصار فيه".
ولم أدر حتى هذه اللحظة كيف يتصور وزير خارجية حكومة الحزب الوطنى أن يحقق انتصارا ما على أحد ما- ناهيك عن إسرائيل- حتى لو تجمع كل أشاوس الحزب الوطنى لتحقيق هذا الانتصار الوهمى بعد استبعاد الشعب المصرى من كل القضايا المصيرية التى تخصه وتكبله بقيود شديدة يجىء على قمتها قانون الطوارئ الذى قرر النظام تمديد العمل به لمدة عامين قادمين لينفرد أشاوس النظام الحاكم بكل مصير الشعب المصرى لتنهار كل الهيبة المصرية ليس فى الوطن العربى فقط بل فى العالم أجمع، ليصبح المصريون ملطشة للجميع ولا يجد النظام الحاكم من الرجال من يعيد لمصر هيبتها الإقليمية عربيا وأفريقيا وعلى جميع المستويات وفى جميع المجالات بداية من كرة القدم وانتهاء بالمفاعل النووى، هذه الهيبة المفتقدة التى ضاعت على أيدى الأشخاص الذين يستخدمهم النظام الحاكم سواء أكانوا فى الاتحادات الرياضية أو فى الصحافة القومية أو الثقافة أو حتى العلاقات الخارجية إقليميا وعالميا.
وليس من قبيل العبارات الإنشائية أو المجازية لو قلنا أن "النيل" سوف يعلن قانونه للطوارئ لكن ليس لتكبيل حرية المصريين فى العيش بكرامة ولكن للخلاص من نظام حكم يتلكأ فى المغادرة، "النيل"- بتعبير واقعى وليس تعبيرا مجازيا- هو شريان الدم فى الجسد المصرى، والشعب المصرى هو الجسد لمصر، النيل هو شعب مصر الذى سوف يعلن قانونه الخاص للطوارئ وسوف يقوم بتمديده حتى يخلص نفسه، يعرف كل الطغاة أنه كلما ازدادت الخية حول رقبة المصريين فإنهم يفرضون قانونهم ليتخلصوا من الخية ويحيطون بها رقاب الطغاة، هكذا يقول تاريخ هذه الأمة، والخية الآن تقترب من رقبة النيل، لتشنق الجسد المصرى، لتزهق روح مصر، ولسوف يتخلص "النيل/شعب مصر" فى لحظة من الزمن من المشنقة التى يعدونها له، ليعلق المشنقة لكل من يريد أن يشنق "النيل/شعب مصر" وحتى تحين هذه اللحظة المقدسة سوف يعلن عليكم "النيل/شعب مصر" قانونه للطوارئ.