هذا الكاتب غير وجه الدراما التلفزيونية، ونقل الرواية من الورق إلى الشاشة، إنه الكاتب والصديق المبدع أسامة أنور عكاشة الذى يرقد الآن مريضا.. أحد ممن صنعوا البهجة واحتفظوا بالكثير من ذاكرة الأمة.. قدم فى ليالى الحلمية تاريخا اجتماعيا واقتصاديا لمصر أنصف فيه المصريين بكل تناقضاتهم وتاريخهم. لقد بدا أسامة طوال الوقت روائيا، وإذا كانت ثلاثية نجيب محفوظ تقدم تاريخ مصر من نهايات القرن التاسع عشر إلى مشارف الحرب العالمية الثانية من خلال أسرة متوسطة للسيد محمد عبد الجواد، فقد بدا أسامة أنور عكاشة سلسة التاريخ من خلال طبقات المجتمع المختلفة فى حى الحلمية التى جمعت الباشوات مع الطبقة الوسطى قدم حتى الثمانينات خمسة أجزاء تبدو وكأنها استكمال لثلاثية نجيب محفوظ.. ومن المفارقات أنه فى الوقت الذى كان نجيب محفوظ يرى أن الأشكال الأدبية مثل القصة والرواية تتغير بتأثير التلفزيون كان أسامة أنور عكاشة يبدأ مشواره العظيم نحو صياغة دراما إنسانية رائعة.
أسامة هو روائى الدراما التلفزيونية بامتياز قبله كان الأمر مجرد تسلية لكنه فى الحلمية قدم خليطا من المتعة والتسلية والصراع الإنسانى والمشاعر الجياشة. قدم انعكاسات الصراعات السياسية على المجتمع وكيف كانت كل خطوة فى السياسة تغير شيئا فى المجتمع وتغير نفوس البشر. لقد فعل أسامة كل هذا بذكاء وإمتاع تتسم به الدراما الإنسانية.
ومن خلال العديد من أعماله قدم أسامة أنور عكاشة الصراع الإنسانى بواقعية وبلا خطابة أو ادعاء، لهذا فقد بقيت أعماله خالدة تماما تبقى شاهدا على انتقالات وتحولات تاريخ مصر، لقد قدم تجارب أخرى كانت رائعة تماما فى الراية البيضا وقبلها الشهد والدموع أو أرابيسك، لكنه ظل مشغولا بالصراع البشرى، ولأسامة أنور عكاشة مسلسل لم يعرض كثيرا هو "عابر سبيل" قام ببطولته يحيى الفخرانى كان أحد أهم الأعمال التى مزجت الفلسفة بالأفكار بالصراعات البشرية. وإذا ذكرنا أسامة نذكر على الفور توأمه المخرج إسماعيل عبد الحافظ، بلدياته الذى ساهم بنصيب فى هذه المسيرة الإبداعية.
بدا أسامة حريصا فى بعض الأحيان على إصدار مجموعات قصصية فى كتب، فهو القادم من عالم الرواية المقروءة، قدم الكثير من المغامرات السينمائية والمسرحية، لكنه ظل الروائى الذى يحاول الإمساك بالتاريخ وأسئلته والمجتمع وألغازه، دون أن يتخلى عن الإمتاع والتشويق، وهى سمة الأدب الجيد.
عبر أسامة أنور عكاشة عن الكثير من الأفكار السياسية والاجتماعية بشكل يفوق الكثير من الأعمال الأدبية، وليس مصادفة أن يبدأ أسامة من حيث انتهى أو كاد نجيب محفوظ، صحيح أنه عاد إلى الوراء فى العشرينات وإلى الريف المتطلع إلى المدينة فى المصراوية، لكنه لم يتخل عن رغبته فى التقاط تحولات المجتمع المصرى.
ويمكن القول باطمئنان إن الدراما التلفزيونية اختلفت تماما بعد أسامة أنور عكاشة عنها قبلها، مثلما اتخذت الرواية مع نجيب محفوظ اتجاها آخر مصريا وعربيا، كلاهما كان مهموما بالأفكار الإنسانية والطبقة الوسطى والمجتمع والمشاعر الإنسانية والصراعات والطموحات. وظل عنوانا على الإبداع والصدق. أسامة أنور عكاشة ألف سلامة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة