نحن نفضل بريطانيا عندما تصنع قانونا لمكافحة الإرهاب، ونستشهد بأمريكا عندما نتحدث عن وجود الفساد فى العالم كله ونتندر على قانون باتريوت وجوانتانامو، ونفضل فرنسا عند تبرير التعديلات الدستورية، لكننا نتجاهل كل هؤلاء عندما يتعلق الأمر بتداول السلطة، ومحاسبة المسؤولين، ومواجهة الفساد وتكافؤ الفرص.
ترزية مابعد التفصيل القانونى عندما يريدون تمرير قانون مكافحة الإرهاب يقولون إن بريطانيا لديها قانون مثله، دون أن يتطرقوا إلى أن هذه الدول لديها فصل بين السلطات وقضاء يراقب وضمانات، ثم إن لديهم تداولا للسلطة.. وحتى القانون تأخر ووضع فى الأدراج وبقى قانون الطوارئ شاهدا على الاستثناء القاعدى. فى بريطانيا تجرى الانتخابات بشكل طبيعى، ولا ترى اتهامات من المعارضة للحزب الحاكم بالتزوير، ولا تتدخل الشرطة لصالح أمين عام حزب العمال فى مانشيستر، أو ابن أمين تنظيم حزب المحافظين فى لانكشاير.
الانتخابات جرت فى بريطانيا عشرات المرات بدون مشاكل، مع أنه ليس عندهم دستور ولا المادة 76 وطبعا ولا المادة 77، وأمريكا شهدت انتخابات متتالية رأينا عددا كبيرا من الرؤساء السابقين. ومع ذلك نحن أحسن من بريطانيا وأمريكا، مرشحوهم لا يحصلون على الأغلبية، والحزب الحاكم يصبح معارضا، وهناك وزراء يخسرون فى الانتخابات. ومع هذا كله نجد من يخرج ليقول إن ديمقراطيتنا أحسن من ديمقراطيتهم. وإنهم تعساء وغلابة، ولا نستبعد أن نرى من يطالب بدعم المواطن الأوروبى فى مواجهة تسلط حكامه.
أما إذا حدثتهم عن الفساد يقولون إن الفساد موجود فى كل دول العالم. ونحن طبعا متقدمون فى الرشوة والفساد بمراحل، ونحتل ترتيبا متقدما فى طابور الدول الأكثر فسادا، والرشوة عندنا كالماء والهواء. عندما خصخصوا خصخصنا، لكن خصخصتنا تفوق خصخصتهم لدينا سماسرة حصلوا على أضعاف ثمن الشركات المباعة.
ونظرة واحدة على حال الانتخابات عندنا أو فى الدول العربية نجد عجبا، معظم هذه الدول لديها دساتير تتحدث كثيرا عن الشعب وعن الحرية، والمواطن، لكن هذه الدساتير فى إجازة غالبا. فالانتخابات لا تعقد عادة، وإذا عقدت فيجب أن يفوز بها الحزب الحاكم. بأعلى الأصوات حتى لو لم يذهب الناخبون، وينتهى الأمر فى الغالب إلى انصراف المواطن إلى شؤونه تاركا مسألة الانتخابات لأصحابها، من المحترفين والمسجلين خطر ديمقراطية.
ومازلنا نتفرج على الانتخابات فى بريطانيا وأمريكا ونشعر بالتعاطف مع هؤلاء الديمقراطيين الذين لا يجدون حكومة تتدخل لصالح الحزب الحاكم، ويمكن لوزير أن يخسر الانتخابات، خسر المحافظون وفاز العمال ثم خسروا دون أن تنقلب الدنيا. السادة المبررون لا يتذكرون الدول المتقدمة إلا فى الاستثنائى، يعايرون أمريكا بقانون باتريوت وينسون طوارئهم.. لا يقلدون ولا يستوردون فى الديمقراطية أو حريات التعبير أو حقوق المواطن فى الخدمات والتصويت وتداول السلطة. يحدث هذا فى بريطانيا وفرنسا وأمريكا بغض النظر عن نوعية الدستور وشكل النظام، ملكى أو جمهورى، برلمانى أو رئاسى.. لدينا ترسانات من الدساتير والنصوص القانونية، العادية والاستثنائية، لكنها بلا فائدة والسبب ليس فى القوانين والدساتير، لكن فى النظام.