«اللى يصحى ويلاقى المياه مقطوعة يبقى ييجى يتكلم بشرط أن يدفع الفاتورة الشهرية لشركات المياه» هكذا تحدث الدكتور عبدالفتاح مطاوع، رئيس قطاع مياه النيل، لـ«الشروق» ببرود، بعد أن وقّعت أربع من دول حوض النيل(إثيوبيا مصدر %85 من مياه النيل لمصر، وأوغندا وتنزانيا مصدر %15، ورواندا) وبعد موافقة كينيا، على الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل فى عنتيبى عاصمة أوغندا الجمعة الماضى، وفى غياب الكونغو الديمقراطية وبوروندى عن الاجتماع.
رد الفعل المصرى جاء باردا فى مجمله، وكأنه لا توجد مشكلة فى الأساس. مصدر مسؤول قال للأهرام إن «الاتفاق مخالف للقانون الدولى وللقواعد المعمول بها من جانب الجهات الدولية المانحة»، وأكد أن مصر لن توقع على الاتفاق الجديد (خلال السنة الممنوحة لها) إذا ما توافرت النقاط الثلاث محل الخلاف، وهى الإخطار المسبق لدولتى المصب بشأن المشروعات المقامة على مجرى النيل والمنبع بما لايؤثر على دولتى المصب، والتمسك بهذه الحقوق القانونية التاريخية، واتخاذ القرارات بالإجماع (وأن مصر أظهرت مرونة وذلك بتجاوز الإجماع إلى الأغلبية بشرط أن تضم مصر والسودان)، وقال الدكتور مفيد شهاب: «هناك قاعدة أصولية فى القانون بأن الاتفاق لا يلزم إلا من وقع عليه، فلا يمكن أن تبرم مجموعة من الدول اتفاقا فيما بينها يكون ملزما لأخرى لم توقع عليه ولم تعلن أبدا موافقتها عليه»، الكلام الرسمى تحول إلى حديث فى القانون، وبدا أنه يضع الدول المانحة فى جيبه.
ويراهن متخصصون مثل الدكتور مغاورى شحاتة على عدم استقرار دول المنابع «سياسيا»، مما قد يسمح باتخاذ قرارات متناقضة فى المستقبل.
وبدأ آخرون فى اختراع سيناريوهات للنظام المصرى (المريض)، فالدكتور ممدوح حمزة قال لـ«الدستور الأسبوعى»:«إن فى يد مصر ثلاثة كروت مهمة يجب استخدامها فى حل الخلافات مع إثيوبيا التى تتزعم دول المنابع وهى إريتريا والصومال والقبائل الإثيوبية»، وربط آخرون زيارة الرئيس الإريترى الأخيرة للقاهرة بالموضوع، ونصح مصر «بالتلويح بإمكانياتها العسكرية وإنشاء قاعدة للصواريخ فى جنوب مصر، بالإضافة إلى إنشاء قاعدة بحرية فى رأس برناس على البحر الأحمر، كما يجب التلويح بالإمكانيات العسكرية وبثلاثة ملايين جندى وبالصواريخ والبوارج والمدافع، لأن ذلك يقوى المفاوض المصرى».. وهذا كلام غريب وبلاغى، لأننا لسنا فى حاجة إلى أعداء إضافيين سيظل النيل يأتى من أراضيهم، يجب أن نصغى إليهم ونعرف ماذا يريدون منا بعيدا عن هذه اللغة.
مساعد تشاريتى بخيلو، وزيرة الموارد الكينية، قال لـ «المصرى اليوم»:«دول شرق أفريقيا ليست خائفة من تهديد مصر، ونحن لدينا خياران، إما الاستماع إلى التهديدات، أو الاستماع لصرخات الملايين من أبناء شعبنا الذين يموتون جوعا»، إنهم يريدوننا إلى جوارهم، كأفارقة متقدمين نسبيا عنهم، بجامعاتنا ورجال أعمالنا وخبرائنا، يريدوننا أن نأخذهم فى أحضاننا، بدلا من أعدائنا الحقيقيين الذين ذهبوا إلى هناك ليحرضوهم ضدنا.
إسرائيل بعد فشل مؤتمر الإسكندرية العام الماضى وجّهت دعوة لوزراء التجارة والصناعة فى كل من بوروندى وأوغندا لزيارة تل أبيب، وهو ما تم بالفعل فى غضون شهر من ذلك التاريخ، ومكث هؤلاء الوزراء تسعة أيام وقعت فيها حزمة اتفاقيات، وتوجت بزيارة المتطرف ليبرمان للدولتين، وهذه التحركات كما قال خبير شؤون الأمن القومى سامح سيف اليزل «مقلقة لمصر ولا يمكن غض الطرف عنها أو التهويل من تداعياتها»، وعلينا أيضا أن نعرف أن إثيوبيا حصلت على ثلاثة مليارات دولار من دول أوروبية فى 2009، وأن النرويج منحتها 414.2 مليون يورو لبناء سد، فى حين رصدت مصر27 مليون دولار فقط لدول المنابع مجتمعة.
نحن هذه الأيام ندفع ثمن غيابنا عن أفريقيا وتعالينا على أشقائنا فيها، ولا يوجد أمامنا إلا اللجوء إلى «القوى الناعمة» (على حد تعبيرخبير الشؤون الأفريقية عبدالقادر إسماعيل) من خلال الأزهر والكنيسة المصرية والجامعات، لأن سياسة »التطنيش» التى انتهجتها مصر خلال الـ33 عاما الماضية هى المسؤولة عما يحدث الآن، والتى ستكلفنا عشر سنوات على الأقل لكى «تعود المياه إلى مجاريها».