كلام الدكتور مصطفى الفقى، والدكتور على الدين هلال الذى تحدثنا عنه بالأمس، يحملان إدانة واضحة لسياسات مصرية نحو أفريقيا، سياسات مسحت سنوات من النضال من أجل التواجد المصرى فيها، وكان وزير الإعلام الأسبق محمد فائق رائد هذا الاتجاه منذ خمسينات القرن الماضى، وقت أن كانت بوصلة مصر الأمنية والسياسية محددة من قبل عبد الناصر فى ثلاث دوائر هى: الدائرة العربية، والدائرة الأفريقية، ودائرة العالم الثالث، ولم تقف السياسات التالية لعبد الناصر عند الانقلاب على هذه الدوائر، بل الاستخفاف بها، والتعامل معها بوصفها تأتى بالفقر، ولا تأتى بأى شىء آخر، وتطاولت الأقلام التافهة والآراء غير المسئولة على مفهوم أن الخطر على أمن مصر لا يأتى من البوابة الشرقية وفقط، وإنما يأتى من الجنوب حيث منابع النيل وهو الأمر الذى فطن له محمد على وجمال عبد الناصر، واعتبرت هذه الأقلام وتلك الآراء أن اهتمام عبد الناصر بأفريقيا كان نوعا من بعثرة أموال مصر فى الخارج، والمفارقة أن هؤلاء ليس أمامهم الآن غير هذا التراث من العلاقات لكى يتحدثوا به مع الدول الأفريقية.
وحتى تعى الأجيال التى لم تعاصر هذه المرحلة تاريخا من العطاء قا م به رجال محترمون، أقدم لهم سيرة موجزة لرجل عظيم هو الوزير الأسبق محمد فايق، الذى يعد المهندس الفعلى للتواجد المصرى سياسيا فى أفريقيا.
محمد فايق كان واحدا من تنظيم الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر الذى قاد ثورة يوليو عام 1952، واختاره عبد الناصر مسئولا عن الدائرة الأفريقية حيث كانت الدول الأفريقية تحت الاستعمار وتناضل من أجل الاستقلال، وفى حوار سابق لى معه سألته عن كيف نجحت سياسة ربط حركات التحرر الأ فريقية بمصر، وما الهدف الذى كانت مصر تسعى إليه من وراء ذلك، أجاب الرجل بكلام هام، وأكثر ما أتوقف عنده، حديثه عن كيفية التقاطه للدارسين الأفارقة بالأزهر، وعبر خطوات متعددة يتم الاهتمام بالعناصر المؤثرة منهم، وتهيئتهم للقيام بأدوار سياسية فى بلادهم بعد العودة إليها فور الانتهاء من الدراسة، كما تحدث عن الإذاعات الموجهة التى كانت مصر تقوم بتشييدها باللغات الأفريقية، ودوره فى ربط زعماء حركات التحرر الأفريقية بمصر، وتشييد الشركات التجارية التى تربط مصر بهذه الدول.
كان فايق يفعل ذلك ضمن منظومة فهم سياسى واسع، يقوم على أن أمن مصر يأتى من أمن مياه النهر، التى يعيش عليها المصريون منذ آلاف السنين، وسمعت من فايق عشرات الحكايات المؤثرة والمدهشة، والمفارقة أن هذا الرجل العظيم فعل كل هذا الإنجاز العظيم، ثم دخل السجن فى قضية الصراع على السلطة بين الرئيس الراحل أنور السادات وبعض رجال عبد الناصر فى القضية التى اشتهرت إعلاميا باسم "مراكز القوى" وكانت يوم 15 مايو عام 1971، دخل السجن وهو لم يصل بعد إلى سن الـ45 عاما، تخيلوا فى هذا العمر، كان محمد فايق قد اكتسب لقب مهندس العلاقات المصرية الأفريقية، ولو حسبنا أنه استمر فى هذا النهج منذ بدء ثورة يوليو عام 1952، فهذا يعنى أن هذا الرجل كان قد بدأ مسيرته "الأفريقية" وهو فى نهاية العشرينات من العمر، وختمها وهو فى عمر مبكر.. تخيلوا..!!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة