كثير من الظواهر العامة فى حياتنا تتمثل فى الفن والفنانين، كما تتمثل فى السياسة وأهلها والاقتصاد وأباطرته ورجالات الدين، وحتى فى أهل العلم والثقافة فى هذا البلد الذى نعيش فيه.
ولنرصد بداية الظواهر العامة التى أقصدها، فصاحب الصوت العالى والضجة عادة هو المنتصر فى أى معركة حتى لو كان على غير الحق، عملا بمثل شعبى يقول «الغجرية ست جيرانها».. فقيمة العمل تتلاشى تماما أمام ارتفاع الصوت وما تحشده من أصوات غجرية معك.. وبالتأكيد ساعد العصر الذى نعيش فيه من سطوة الإعلام وتسلطه على تنامى هذه الصفات.
فكم من فنان بلا قيمة أو حتى صاحب قيمة متوسطة أو عمل بالسياسة من باب الاسترزاق، أو طبيب أو نصف عالم أو مثقف صار من أصحاب القامات فى مصر لمجرد أنه صاحب صوت عالٍ وشديد الإلحاح.. وفى مقابل هؤلاء يقف أصحاب المواهب والقيمة الحقيقية مكتفين بما يقدمونه، مهمومين بالعمل خافضين أصواتهم لأن لا وقت لديهم للصراخ أو لفت الأنظار لأعمالهم.
الموهوبون الحقيقيون للأسف الشديد فى هذا العصر وما قبله قليلا، بلا صوت، مما يقتلهم أو على الأقل يخنقهم وأحيانا يحولهم إلى هزائم تتحرك على الأرض.
لدى عشرات بل مئات الأمثلة من أصحاب الصوت العالى فى كل المجالات ولكنى لست فى حالة سعى إلى فضح بعض ممن يقولون عنهم رموزا بقصص وحكايات خلف الأبواب، أنا فقط أرصد ظاهرة أظن أن القاصى والدانى يعرفها، ولكننا للأسف من فرط ما عشنا فيها ومعها لم تعد لافتة للنظر أو مستهجنة، بل صارت بمرور الزمن واقعا يفرض نفسه ولم يعد أحد يهتم أن يتوقف أمامه.
ولكنى سأتوقف أمام اسم واحد فقط وعمل سينمائى سأتخذ منه مثالا لظاهرة الصوت العالى فى مجتمعنا.
تامر حسنى نجم شهير، وفيلم «نور عينى» أول أفلام موسم الصيف القصير، تامر بالتأكيد فنان يمتلك موهبة لا نستطيع التقليل من حجمها سواء فى مجال الغناء أو التلحين أو حتى بعض من موهبة التمثيل.
إذن تيمو -كما يحب أن يلقبه جمهوره- فنان موهوب، ولكنه بالتأكيد ليس الأجمل صوتا أو الأكثر موهبة فى التلحين أو التمثيل، ولكنه الأعلى صوتا، فلا يخلو يوم أو ساعة إلا وصنع من لا شىء أو بعض الشىء.. أكبر حدث.. صدقا أو كذبا.
ولن أرصد كثيرا من هذه الأحداث بل سأكتفى برصد حدثين فى حياته أحدهما شديد السلبية استطاع أن يحوله لانتصار، وآخر أظنه كاذبا غير حقيقى وبعض الظن إثم، ولكن تيمو أيضا حوله إلى حدث عالمى غير مسبوق بارتفاع صوته حوله.
الحدث الأول السلبى حين تم اتهامه بالتهرب من التجنيد وتم حبسه، حول تامر بذكاء هذه التهمة غير المشرفة إلى انتصار ومعيار لشعبيته، بل استخدمها للإضافة وليس للخصم، تم وضع لافتات على كوبرى أكتوبر للمساندة له فى واقعة نادرة لم تحدث حتى مع رموز الإخوان المسلمين المحبوسين الذين بالتأكيد لهم مريدون أغنياء قادرون على ملء صفحات الجرائد الخاصة وليس القومية ولافتات الشوارع بتأييد لهم، ولكنهم لم يفعلوا بينما فعلها تيمو.. هذا مجرد مثال على تحويل الهزيمة والجريمة إلى انتصار وشعبية.
أما المثال الآخر الذى أظنه غير حقيقى فهو تلك الجائزة التى قال إن اسمها بيج آبل ميوزك أوورد Big Apple Music Award. تامر نشر فى كل مكان لانه حصل على هذه الجائزة وسيسافر خلال هذا الشهر لتسلمها, وهذا الإعلان جاء مباشرة بعد افتضاح أمر جائزة الميوزك أوورد بتاعة موناكو التى فجرها عمرو عفيفى فى وجه عمرو دياب النجم الأكثر شهرة ليس فى مصر ولكن فى كل الوطن العربى، توقيت إعلان تامر إذن لا أظنه غير مدروس!!
والأهم أن هذه الجائزة التى أعلن عنها تامر قال إن من منحوه إياها قد عرضوها ثلاث سنوات متتالية كمطرب فقط، ولهذا كان يرفضها ولكنهم حين قرروا فى المرة الرابعة أن يقدروه حق قدره فيمنحوه إياها كنجم القرن وظاهرة غير مسبوقة.. قرر قبولها!! يا سلام.. السؤال: أى قرن؟ القرن الحالى أم الذى مضى منذ عشر سنوات؟ لم يقل تيمو ما هذه الهيئة، ولم يعلن عن أى تفاصيل تخصها.. المهم أنه حصل عليها بعد تمنع، والأهم أنها أعطته لقب نجم القرن!!
بحثت فى أصل هذه الجائزة أياما وأياما، ولم أجد إلا اسم بيج آبل أوورد وهى جائزة تعطى لمتعهدى الحفلات كأفضل تنظيم أو أفضل شكل لترتيب الموائد، وعلى من يجد غير ذلك أن يدلنى!! فالإنترنت موجود يوصلنا بأى معلومة نريد الوصول إليها، فالعالم أصبح قرية صغيرة.
ورغم هذا فتامر حسنى صنع من قصة التفاحة الكبيرة أو البيج آبل.. بيج قصة، ثم راح أيضا يتباكى بأن الناس تستكثر عليه الفرحة وأنه يرفع اسم مصر عاليا، أى تحول من شخص مشكوك فى روايته إلى شخص شاكٍ باكٍ.. وكمان مظلوم.. وشكرا للصوت العالى الذى منحه كل هذا.
فيلم «نور عينى» أحدث أفلامه حالة أخرى، فهو صاحب القصة وكثير من الحكايات والشائعات صاحبت إنتاج وظهور هذا الفيلم الذى قال إنه جديد فى كل شىء وفتح جديد فى السينما الغنائية، ولكننا نجد أنفسنا كمشاهدين أمام فيلم مثل كل أفلامه السابقة، بل على العكس هو يعد واحدا من أسوأ السيناريوهات التى قدمها.
«نور عينى» فيلم هدفه الأوحد أن يقدم لنا تامر صاحب الألف وجه الكوميديان الذى لا يبارى وصاحب العضلات المفتولة وطبعا المطرب والممثل وقبل كل هذا المؤلف والملحن.
وائل إحسان مخرج يشعرنى أمام الأفلام التى قدمها على مدى تاريخه القصير بأنه مخرج يسير على خط ويترك آخر، لأن «السوق عايز كده»أو بمعنى أدق حسب مثل شائع «اربط الحمار مطرح ما صاحبه عايزه» والحمار بالنسبة لوائل هو الفيلم أما صاحبه فإما المنتج أو النجم أو الاثنان مجتمعين.
أفضل ما فى هذا الفيلم بالتأكيد هو منة شلبى وعمرو يوسف، مع اختلاف الأسباب.
منة شلبى بالتأكيد ستربح من هذا الفيلم ليس ربحا فنيا ولكن بعض الربح التجارى.
أما عمرو يوسف وهو وجه جديد إلى حد ما على السينما وبرغم عدم وجود ملامح محددة للشخصية التى لعبها، فإنها منحته الحق فى حجم أكبر فى السينما وربما تدفعه خطوات.
فى «نور عينى» نحن أمام فيلم مرتفع الصوت بأخباره وتصدره المشهد السينمائى الصيفى وببطله ومنتجه.. أما ما هو غير ذلك فلا صوت له.. ولكن ألم أقل لكم إن «الغجرية ست جيرانها».