ليست المرة الأولى التى يعلن الحزب الوطنى أنه يخوض انتخابات يحرص على أنها شفافة ومحايدة وتنافسية، مع أنه فى الحقيقة ينافس نفسه ويفوز على بعضه. وهو نوع من الممارسة السياسية ربما لا مثيل له فى أى دولة من دول العالم.
وخلال أيام يتم افتتاح لجان انتخابية ينفق عليها الملايين من أجل استقبال ناخبين لن يذهب ثلاثة أرباعهم، ليس سلبية ولكن إيمانا بأن الممارسة فى مصر من طرف واحد، وأن الذهاب للصندوق مثل الدخول بين البصلة وقشرتها، التى هى الحزب الوطنى برائحة مرشحين إخوان. على اعتبار أن تسعة أعشار مجلس الشورى محجوز للحزب الوطنى ذى الأغلبية الكاسحة والشعبية غير المرئية التى تحير الإنس والجن والمراقبين.
انتخابات مجلس الشورى يتنافس فيها الحزب الوطنى مع نفسه أصلى ومستقل ومخطط ومقلم وبشرطة، ولولا الضجيج واللافتات التى تملا الأجواء والطرقات والشوارع ما شعر أحد بأن هناك انتخابات من أى نوع، ومع ذلك يصر الحزب الوطنى على تصوير الأمر بأنه صعب، وأنه يواجه منافسة شرسة من مرشحين مجهولين، ربما كانت كائنات فضائية تنوى منافسة مرشحى الحزب، أو أن غزاة من أطباق طائرة قرروا ترشيح أنفسهم فى مواجهة المحاور المحورية التى تملأ برنامج الحزب مثل حب الشباب.
وكالعادة نشاهد لافتات ابن الدايرة وابن الشعب و"من أجلكم رشحت نفسى"، وهى دعاية تعود على المرشح وأسرته فى حال انتقاله من سجلات الأمن العام إلى سجلات البرلمان. على نغمات أغانى "الممارسة والشفافية والإيجابية"، وكلها مصطلحات يعرف قائلوها أنها لا تغنى ولا تسمن من تزوير. وأن المقاعد تقريبا محجوزة لمرشحى الحزب الوطنى الذى أحسن اختيار مرشحيه.
لكن الأمر لا يخلوا من فكاهة ومسخرة فى بعض الأحيان، مثلما تجد مرشحا عن الحزب الوطنى يعرف أنه قادم بالمجمع أو البراشوت ويحاول جذب ناخبين إلى الصناديق فيكتب فى دعايته "صوتك وهتتحاسب عليه يوم القيامة"، مع أن المرشح أول من يتمنى من كل قلبه ألا يرى ناخبا فى اللجنة، ربما كان يريد الناخبين الأموات، الذين رحلوا وما تزال أصواتهم تحكم الممارسة الانتخابية، والحزب الوطنى هو أكثر أحزاب العالم التى تتذكر محاسن موتاها بأن تحتفظ بأصواتهم، من أجل أن يظلوا على قيد الحياة.
ومع ذلك يجد المرشح لديه من الشجاعة ليدعو الناس للتصويت له مهددا إياهم بالحساب العسير يوم القيامة، دون أن يرى فى تسويد البطاقات وتوظيف أصوات الأموات أى نوع من الجرائم يستحق العذاب. وطبعا ليس على المرشح ذنب، وهو يرى الحزب الوطنى نفسه يقول إنه يتطلع إلى انتخابات شفافة ومحايدة وتنافسية "مهلبية"، مع أنه ينافس نفسه، وكل من يحاول الدخول بين بصلة الحزب وقشرتها، لن ينوبه سوى رذاذ الممارسة وربما راح ضحية الشفافية.