الإحباط والمزيد من إضافاته هو ماحصلنا عليه مساء الخميس أول أمس بعد أن ألقى سيادة الرئيس حسنى مبارك خطابه المعتاد فى عيد العمال.. طبعا لا داعى لأن يسأل أحدكم عن كيف طاوع الرئيس نفسه أن يقف على المنصة ويخطب فى العمال محتفلا بهم، ومتحدثا عن أجورهم التى زادت أكثر مما وعد كما قال فى نص خطابه، بينما رصيف مجلس الشعب لا يلاحق على استيعاب مئات المعتصمين الذين يتوافدون عليه من مختلف شركات ومصانع مصر.. لا أعرف كيف قرر الرئيس أن يحتفل بعيد العمال رغم أن المعلوم بالضرورة يقول إن الاحتفال بالأعياد فى ظل انتشار المأتم حاجة عيب، وأظن أنه لا يوجد مأتم وأحزان أقسى من أن يخرج العمال الأحياء وهم يرفعون نعوشهم على أكتفاهم فى إشارة لا يمكن تفسيرها إلا بأن هؤلاء الغلابة يفضلون احتضان التربة على العيش فى ظلال هذا النظام.
على عكس كل التوقعات وتأكيدا لماضى عتيق لا يتغير.. ظهر الرئيس وخطب فى الناس وكأن كل شئ فى البلد تمام، وكأن كل مظاهرات الجوع والبحث عن وظيفة والمسيرات التى تطالب بـ 600جنيه كحد أدنى للأجور تحدث فى بلد أخرى، ظهر الرئيس وخطب فى الناس وكأن جموع الشعب تقف على باب الحزب الوطنى تطالبه بالاستمرار للأبد وكأن الأصوات التى تطالب بالتتغير فى البلد لم تصل إليه.. وحتى الذى وصل إليه منها قابله بتهديد غير مفهوم فى عبارة أراد من كتبها للرئيس أن تكون دبلوماسية فجاءت واضحة وكاشفة لموقف الدولة من التيارات المطالب بالتغيير مهما كان لونها حينما قال:( أتابع ماتموج به مصر من تفاعل نشط لقوى المجتمع وأرحب به باعتباره ظاهرة صحية ودليلا على حيوية مجتمعنا لكننى أتحسب من أن ينزلق البعض بهذا التفاعل إلى انفلات يعرض مصر وأبناءها لمخاطر الانتكاس).
أرجوك ضع 10 خطوط أسفل كلمة أرحب به لتعرف كيف يفكر الرئيس، إنه يخبرنا أنه صاحب الفضل فى حالة الحراك، إنه يريد أن يخبرنا أن باب الحراك والمظاهرات والمطالبة بالتغيير فى يده إن شاء فتحه وإن شاء أغلقه بالضبة والمفتاح وهذا هو ماقاله صراحة فى آخر فقرته الخطابية التى ذكرناها فى السطرين السابقين.
لم يقل الرئيس شيئا لمعالجة الوضع السئ الذى نعيشه سواء فيما يخص أزمة حوض النيل أو أزمة الحراك السياسى أو أزمات الأجور والعمال واكتفى كعادته بالإشارة إلى هؤلاء الوحشين الذين يرفعون الشعارات ويلقون على آذان الجماهير الكثير من الخطب الحماسية عن ضرورة التغيير ورحيل النظام الحالى.
كان الرئيس منفعلا حتى وإن بدا عليه غير ذلك، وكانت أصوات العمال الذين جاءوا بهم للهتاف بحياة الرئيس وللحزب الوطنى خافتة وتفضح عدم اقتناعها بما تقول، وبصيغة مختلفة قال الرئيس جملته المفضلة التى أصبح يكررها بصيغ متنوعة فى خطاباته الأخيرة خاصة تلك التى تأتى عقب علو موجة المظاهرات والمعارضة وهتافات التغيير فقال فى خطابه الأخير: (نمضى إلى المستقبل بخطوات مستقرة وإننى كواحد من أبناء مصر أجد نفسى اليوم وأكثر من أى يوم مضى أقوى عزما وأشد تصميما على ألا ترتد حركة مجتمعنا للوراء).
أرجوك عزيزى القارئ الخبيث أسرع بالربط بين تلك الجملة ومضمونها وبين التصريح الشهير (مادام فى القلب نبض) الذى قاله الرئيس قبل انتخابات 2005، اربط بين مضمون ماقيل ومايقال الآن لتدرك أن الرسالة الرئاسية واضحة وصريحة وتقول.. إلى كل من يتكلمون عن التغيير ورحيل النظام أنتم بتحلموا!!.
أعرف أن أكثر المتفائلين منكم، لم يكن يتوقع من خطاب الرئيس فى عيد العمال سوى كلام وردى عن أحوال العمال وأجورهم وعن وعد بنزاهة الانتخابات القادمة بالإضافة إلى الحواشى الأخرى التى أصبح الناس ينتظرون سماعها فى كل خطاب رئاسى مثل أمن البلد واستقراره الذى هو خط أحمر لا يمكن المساس به أو الوحدة الوطنية التى لن تكسرها حادثة فردية أو المستقبل الاقتصادى المشرق أو الحرية التى ننعم فى رخائها أو المنطقة التى تعيش فى أزمة تستدعى تضافر الجهود.. ولهذا أرجو من كل متفائل منكم ألا يتنازل عن تفاؤله حتى موعد خطاب عيد العمال القادم لعل صاحب الخطاب يشعر بآلام الناس وأوجاعها.. وقبل ذلك بتلك الرغبة الجامحة فى التغيير التى تسكن قلوب الناس.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة