حنان شومان

حين يكون عسل الوطن «إسود»

الخميس، 10 يونيو 2010 04:31 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يعنى إيه كلمة وطن؟ سؤال طرحه منذ سنوات مدحت العدل فى كلمات أغنية تغنى بها المطرب محمد فؤاد فى فيلم «أمريكا شيكا بيكا» وأجاب عليها بكلمات أخرى تعنى أن الوطن مجموعة من التفاصيل والذكريات التى تخضع للعاطفة.. وقد تكون هذه النظرة إلى حد بعيد فيها جزء من الإجابة عن معنى كلمة «الوطن»، ولكنه المعنى العاطفى، فالوطن يوجد حيث توجد الكرامة المصانة، والأمان المادى والمعنوى، والشعور بالتميز لأنك فى وطنك.. أو حتى خارجه.

وحول هذا الموضوع تدور أحداث «عسل إسود» الفيلم الذى كتبه خالد دياب، وأخرجه خالد مرعى، وقام ببطولته أحمد حلمى مع مجموعة كبيرة من الأسماء أعتبر أنهم جميعا أبطال مثل إيمى سمير غانم، وإدوارد، وسعيد طرابيك، ولطفى لبيب، وإنعام سالوسة، وآخرين قد لا أعرف أسماءهم ولكنهم جميعا دون استثناء شاركوا حلمى البطولة بجدارة.

فالفيلم الذى يحكى قصة عودة شاب فى الثلاثين إلى مصر بعد أن قضى عشرين عاما يعيش فى أمريكا مع والديه، وكيف يواجه لقاء بلده الذى اختار أن يعود له حاملا جواز سفره المصرى.

فى «عسل إسود» يتحدثون عن نفس تفاصيل معنى الوطن الذى سبق أن أشرت إليها فى بداية المقال، ويحولها الفيلم إلى حكايات وقطع من الموازييك لترسم صورة الوطن بكل ما فيه من أسود وأبيض، وقد يسبب الفيلم عند بعض الجمهور نوعا من الحزن حتى لو ضحك فى لحظات أخرى.. لو أن هذا الجمهور من النوع الذى مازال مهموما بفكرة الوطن، أما عند جمهور آخر فقد يرى فيه تنفيسا عن غضب تجاه هذا الوطن وحالة انتقام من كل سلبياته، والفئة الأولى من الجمهور ستسعدها النهاية بالتأكيد حين يرفض البطل مغادرة بلاده، أما الفئة الثانية من الجمهور فسترفض النهاية ولن تراها واقعية، فمن هذا الذى يترك فرصة العودة لأرض الأحلام أمريكا ويرضى بمصر كما هى وكما جاءت فى الفيلم لمجرد أن له جارة عجوزا أعطته بعض المال أو جلس معها وأسرتها ليصنع كعك العيد؟!!

وأظن أن هذا الاختلاف المُتصور هو من أجمل وأقوى عناصر الفيلم.. فعلى قدر ما أفسدت أغلب أفلام السينما المصرية جمهورها بأفلام أحادية النظرة لا تترك للمشاهد فرصة للاختلاف معها، على قدر ما يعطى فيلم «عسل إسود» للمشاهد فرصة للجدل مع صناع الفيلم حول البداية أو النهاية.

البطولة الأولى فى هذا الفيلم تخص الموضوع وبالتالى السيناريو الذى كتبه خالد دياب، والإخراج لخالد مرعى الذى حوله إلى صورة وتفاصيل نابضة حية تبعث على الضحك والأسى فى ذات الوقت.

ويبقى الحديث عن البطل الذى واجه الجمهور وهو أحمد حلمى، الذى قدم أداء مختلفا متطورا، والأهم أنه فى كل مشهد كان لديه كممثل وعى بكل كلمة أو حركة ينطق بها.

أحمد حلمى حتى الآن هو الممثل الوحيد من بين كل أبناء جيل، سواء فى الكوميديا أو حتى فى أبطال السينما على اختلاف نوعياتها، الذى مازال يملك القدرة على بعث الدهشة فى جمهور أفلامه، فهو يصنع حالة من الدهشة من فيلم لآخر.. فى الوقت الذى يلعب الآخرون على المضمون أو على الأقل ما يتصورون أنه مضمون النجاح لدى الجمهور، وهذا هو عين الفشل فى الفن أو فى غيره من المجالات، ولكنه للأسف سمة لصيقة بالوطن حاليا.

أليس نحن البلد الذى لو فتح أحدهم محل عصير فواكه فى أحد الشوارع ونجح امتلأ الشارع بمحال عصير الفواكه؟ أليس أبطال أفلامنا إذا نجحوا فى شخصية أو تركيبة فنية يظلون يعزفون عليها حتى الموت؟! وفى هذا تجسيد لغياب الابتكار والمغامرة، وهما الضلعان الرئيسيان فى الفن الحقيقى، وبذلك فإن أحمد حلمى يلعب وحيدا بين أبناء جيله مغامرا ومبتكرا، فحتى إن اختلفنا معه لا نستطيع إلا أن نحترمه لتفرده.

إيمى سمير غانم طلتها كانت مختلفة وأداؤها كان رائعا ويصعب أن تنساه حتى بعد أيام أو أسابيع، بل أظن أن هذه الشخصية ربما ستظل تطاردها لبعض الوقت.

إدوارد نموذج من الفنانين الذين يستطيعون تقديم أداء نادرا إذا أُعطوا أدوارا قيمة، فالممثل إذا كان جيدا يصبح كالبئر تنضح بما فيها والبئر هى دور وسيناريو وحوار يستطيع أن يؤديها، ولهذا فإدوارد يتفاوت بين فيلم وآخر لأنه يتحمل وزر ما يُعطى له.

فى بداية تصوير هذا الفيلم كان عنوانه «مصر هى أوضتى» ثم تم تغييره إلى «عسل إسود» وأظن أن الاسم الثانى أكثر تعبيرا عن حالة الفيلم فكل الأوطان عسل فى فم أبنائها أو مُرّ.. وفى هذا الفيلم الوطن كان عسلا ولكن بلون الليل أسود، فمتى يأتى النهار ليصير وطننا لون عسله أبيض؟!






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة