ربما سيندهش القارئ الكريم لأننى أعتبر المعركة الطاحنة بين القضاة والمحامين إيجابية، وربما ستندهش أكثر لأننى أختلف مع الذين يؤكدون أنها دليل على الفوضى، فهى، على العكس من ذلك تماما، دليل على حيوية البلد وعلى الحراك الواسع والصحى الذى تشهده الذى علينا جميعا أن نسانده ونحميه.
ففى فترات سابقة كان يتم التواطؤ بالصمت على الكثير والكثير من المشاكل، إما بقمع السلطة أو بالقمع الصحفى والإعلامى، فتتعفن الجروح، وتصيب الجسد كله بالمرض، ولكن من مميزات السنوات الأخيرة، أننا نكاد نقترب من أن نكون مجتمع طبيعى، تعبر مختلف الفئات عن نفسها بشكل مباشر وصريح، وأحيانا بشكل خاطئ، ولكنها رحلة الديمقراطية التى نتعلم فيها جميعا الوصول إلى التعبير السلمى الديمقراطى عما نتصور أنه حقوقنا.
المعركة الحالية بين القضاة والمحامين، هى تجلى أخير عن احتقان قديم، وجاءت الفرصة التى يمكن أن يعبر بها كل طرف عن نفسه بوضوح، بل وبقسوة مفرطة. فكل طرف يمارس كل ما يستطيعه من ضغط حتى يحقق أعلى مكاسب ممكنة، هكذا فعل المحامون وهكذا يفعل القضاة، ولابد أن ينتهى الأمر بالوصول إلى توازن حقوق بين الطرفين يقوده العقلاء من الجانبين، وحتما سيتم ذلك، لأن الطرفين لا يستطيع أى منهما الاستغناء عن الآخر، وسيتعلم الطرفان أن التعبير عن مطالبه لابد أن يتم بشكل سلمى ديمقراطى، وسيتعلم الطرفان أنه لا سلطة مطلقة له على غيره، ولكنه التوازن الذى نتمنى أن يكون مبنيا على العدل.
وأحد أهم الدروس المستفادة من هذه المعركة، هى أنه من الصعب قبول أن يكون القضاة هم الخصم والحكم، ليس فقط فى معركتهم مع القضاة، ولكن مع أى فئة أخرى، ومنها مثلا الصحفيين. وهذا لا يعنى التشكيك فيهم، ولكن لأن العدل يعنى أن يكون طرفى الخصومة على قدم المساواة، وهذا بالطبع غير موجود فيما حدث مع المحامين، ولذلك أؤيد الاقتراح الذى قاله سيف الإسلام حسن البنا، أمين نقابة المحامين السابق، وهو ضرورة وجود تحقيق مستقل إذا كان القضاة والنيابات طرفا فى أى خصومة، وإذا لم يحدث ذلك، فهذا يعنى استبداد طرف على طرف آخر، وهو ما لا نقبله للقضاة ولأعضاء النيابات، ولا نقبل لبلدنا أن يكون فيها ميزان العدل مختل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة