لولا الثانوية العامة لاكتملت متعة المصريين بالفرجة على كأس العالم، حتى قبل أن يسمونها مونديال. ومع أنها مباريات لايشاركون فيها فعلا لكن كل مشاهد ينزل الملعب بحريته ويعلن رأيه بكل بساطة بلا قيود ولا رقابة.
البعض يرى كرة القدم ديمقراطية، لكن الالتراس يجعلونها حربا، والتشجيع انحيازا ولا يمكن أن تطالب مشجع كرة قدم بأن يكون موضوعيا، وقد عرفت العديد من الأصدقاء العقلانيين جدا، يتحول الواحد منهم إلى وحش متعصب زملكاوى أو أهلاوى فى لحظة.. تختفى العقلانية ويحل محلها تعصب وتنطلق العيون بشرارة لايمكن أن تمنعها من الانطلاق. ولن أعرف مشجعا للكرة ليس التراسيا، بدرجات، والمشجع المحايد الموضوعى دمه تقيل ويبدو متكلفا، وتشجيع الكرة مثل حفلات الزار والديسكو تفريغ طاقة، وحتى برامج التوك شو لم تحل محلها.
تفتكروا ماذا كان سيحدث إذا كان فريق مصر صعد إلى المونديال، ربما كانت أشياء تغيرت، لكن عموما لم يكن شىء سيتغير. غير أن المصريين فى لحظات الفوز ينسون أنفسهم ويرقصون ويحتفلون ويصرخون، ومن الممكن أن تسلب المشجع أى حاجة عملتها الحكومة قبل أعوام فى كأس الأمم الأفريقية عندما رفعت أسعار البنزين مع صفارة النهاية.
وقد عبر فيلم واحد صفر بعبقرية عن القضية، فقد اختفت الصراعات والمشاحنات والصفقات لحظات الفوز، هى لم تنته لكنها تأجلت.
بعض التعصب مطلوب بدرجة ما فى الكرة، لأنه يعطيها طعمها المختلف عن شوربة الخضار، لكن زيادة الالتراسية تحول الكرة إلى حرب، ومثال مصر والجزائر البلدين اللذين انتقلا من خانة الأخوة والتاريخ المشترك إلى خانة الردح والبصق على التاريخ المشترك، لم يحدث هذا بحرب لكن فعلها الصغار ووقعت فيها الجماهير. وقد رأيت أهلاوية وزملكاوية يفعلون مع بعضهم ما يفعل الالتراس بين مصر والجزائر، لكن المشكلة أن الالتراس يجب أن يبقى فى الملعب وإذا خرج منه يصبح مثل دراكولا، يتوحش ويتجبر .
ونعود لنسأل: ماذا لو كانت مصر صعدت للمونديال؟ نظن أشياء كثيرة لم تكن تحدث، وأشياء أخرى كان من الممكن أن تحدث. ولا يكفى أن ينهزم خصومك لتشعر بالانتصار، فالانتصار هو الانتصار، لهذا فإن جمهور الزمالك حزين، مع أن الأهلاوية سيكونون أسعد لو كان الزمالك أقوى، أيام العز عندما كان الأهلى والزمالك يتنافسان، والمحلة والإسماعيلى والاتحاد والمصرى فرق قادرة على المنافسة، كان للكرة طعم وللتشجيع طعم، الآن لها طعم مثل فاكهة الصوبات.
ثم إن مونديال هذا العام فى أفريقيا للمرة الأولى، وجنوب أفريقيا لها خصوصيتها، لأن فيها مانديلا أحد أعظم الزعماء فى التاريخ، لأنه قاد ثورة لم يعاير بها شعبه، وعاش ليرى نفسه ملهما أكثر منه حاكما. مانديلا الرجل الذى قضى على العنصرية، حتى لو لم يستطع القضاء على الفقر. وكان وجوده فى لجنة الترشح للمونديال عاملا حاسما لأنه مانديلا.
ومع أننا لسنا ممثلين فى المونديال، فالمتعة حاضرة، والتقمص حاضر، مع بعض هدوء الأعصاب. الذى تضيعه مباريات الجرى ورا لقمة العيش.. بالهنا والشفا.