نحن نسعد جدا بالحديث عن سيادة القانون، ولا يمر يوم أو تمر ساعة إلا ونتلقى جرعة من الخطب والحقن والكبسولات عن احترام القانون وحقوق الإنسان، التى تم اختراع مجلس لها على كورنيش النيل، يصدر تقارير ويسافر للخارج فى معارض حقوق الإنسان، ومع حقوق الإنسان نسمع ونشم كلاما عن الفصل بين السلطات، وسيادة القانون، لنكتشف ان سيادة القانون لصالح الحكومة والأمن والوزراء، وحقوق الإنسان للاستهلاك الإعلانى والعرض الخارجى. ولدينا حكايتان تؤكدان هذا الواقع بشكل متوازٍ: الأولى عن انتهاك حقوق الإنسان والتلاعب فى القانون، والتستر على متهمين، والثانية عن الخلط بين السلطة والنفوذ وضربهما فى خلاط واحد.
الأولى فى الإسكندرية والثانية فى أسوان وتشير إلى أن العدالة فى مصر لم تعد بخير، ولا سلام، ولاتنام قريرة العين.
القصة الأولى قتل الشاب خالد سعيد على أيدى اثنين من المخبرين علنا وأمام شهود عيان بعد سحبه من مقهى انترنت، لأنه اعترض على أسلوب الهجوم والتفتيش، تم سحل الشاب وقتله، وعندما طالبت أسرته بالتحقيق فى ملابسات القتل، سارع ضباط قسم سيدى جابر بإعلان بيانات خاطئة، اتهموا الشاب بأنه تاجر مخدرات وهارب من التجنيد، وأنه قتل نفسه بابتلاع «باكيتة» بانجو. ولأول مرة نرى ميتا يعذب نفسه أو ينتحر، ولم تقدم السلطات المختصة أى تفسير لحجم التدمير الذى تعرض له خالد فى وجهه وجسمه. وتم إقحام النيابة فى القضية ومحاولة تصويرها وكأنها طرف فى الأمر، بالرغم من أنها جهة تحقيق ويفترض أن النيابة سلطة قضائية وليست تنفيذية. مقتل خالد سعيد أثار الرأى العام، واندلعت مظاهرات الاحتجاج تطالب بالتحقيق فى مقتل مواطن لاذنب له. ولاتزال القضية مفتوحة، شاهدة على أن القانون ربما يكون فى إجازة. وفى انتظار ماتسفر عنه تحقيقات النيابة.
أما القصة الثانية فتتعلق باختلاط النفوذ والسلطات اختلاط المياه بالماء وهى قصة بيع أرض جزيرة آمون فى أسوان، ومساحتها 238 فدانا، تم بيعها لشركة بالم هيلز المملوكة لوزيرين أحمد المغربى وزير الإسكان ، ومحمد منصور وزير النقل السابق بـ80 مليون جنيه، سعر المتر 80 جنيها فقط، وهو أقل من سعر متر القماش.
ليس هذا فقط بل إن الشركة سددت 4 ملايين جنيه من المبلغ. وطبعا الموضوع أثاره نائب بمجلس الشعب ورد وزير الإسكان أحمد المغربى بأنه مساهم وليس مالكا، وهو نفس الرد الذى أثير عندما تفجرت قضية شراء أسهم بنك فى فبراير 2006 عندما تم الكشف عن صفقة بيع أسهم بنك الإسكندرية، وهو بنك عام، لبنك كريدى أجريكول، حيث اتضح ان أسهم البنك المصرى الأمريكى ذهبت لصالح شركة كريدى اجريكول وشركة المنصور والمغربى، وأن البنك المصرى الأمريكى يملك أسهما فى بنك الاسكندرية، يومها جرى الحديث عن استغلال النفوذ والتداخل بين مصالح وزيرين، وتم تقفيل القضية، بعد الاستماع إلى الأقوال وإهمالها، وتم تبرير الأمر بأنه اقتصاد حر. ولولا أن هناك شبهات ماتدخل الرئيس لتعديل الصفقة. ولانعرف أين كانت الحكومة والأجهزة ولماذا تفجر الموضوع الآن.
خلاصة الأمر أن مصر تشهد أكبر عملية اعتداء على القانون، وتطليع روحه، والخلط بين السلطات واستغلال النفوذ، والدخول فى مواطن الشبهات بالقطار السريع. وأن الشرطة فى الاسكندرية تقتل وتتهم القتيل، والوزراء يدخلون فى صفقات ليست فوق مستوى الشبهات.