إبراهيم داود

عندنا.. فى أفريقيا

الجمعة، 18 يونيو 2010 01:34 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
افتقد العالم إطلالة نيلسون مانديلا فى الافتتاح، نزل جوزيف بلاتر ورئيس جنوب إفريقيا - بعد حفل الافتتاح البسيط - أرض الملعب، وكان بين الأطفال الذين يقفون أمام لاعبى المكسيك وجنوب إفريقيا طفل يتابع الرجلين وهما يصافحان اللاعبين والحكام باستغراب، لا تستطيع أن تقول إنه كان سعيداً، ولا تستطيع أيضاً أن تقول إنه كان حزيناً، لم يلتزم بالصرامة التى تدرب عليها أقرانه، كان يتابع خطواتهما كأنهما من كوكب آخر، عيناه الزائغتان كانتا مفتاح البطولة بالنسبة لى، وكان رئيس جنوب أفريقيا ببنيانه القوى وملامحه الطيبة عنوانا لبلد نجح فى «جرجرة العالم» إلى أرض بلاده، البطولة عندنا، فى أفريقيا الحزينة، التى تلعب كرة سعيدة، وبمناسبة السعادة، سئلت منجمة ألمانية: كيف توضحين السعادة لطفل؟ أجابت: أعطيه كرة ليلعب، والكرة فى هذه البطولة تم تطويرها على يد إنجليزى، وقدم أسرارها لمنتخب بلاده، الكرة التى يقل وزنها عن نصف كيلو جرام ويصل قطر خصرها إلى 70 سنتيمترا، والتى يسميها البرازيليون فى لحظات الفرح «الطفلة» وفى لحظات الحزن «السمينة»، وأيضاً مارجريتا وماريكوتا، والتى أقام لها ديستفانو نصبا تذكاريا أمام بيته نقشت تحته عبارة «شكراً أيتها العجوز»، هى نفسها التى يدور حولها العالم عندنا فى جنوب إفريقيا، فى لحظة مرتبكة من تاريخ البشرية، تحاول فيه العولمة محاصرة الارتجال، بعد أن تحول الملعب إلى استوديو تليفزيونى كبير، وتحول اللاعبون إلى نجوم استعراض، واختفى المدرب الذى يحب اللعب، ليظهر المدير الفنى الذى لا يهمه إلا الانضباط والالتزام بالخطة الموضوعة، لأنه لا مكان لغير الملتزمين، ولكن البشرية فى هذه البطولة، ربما نجحت فى إعادة صياغة الخيال، لأننا أمام مواهب عظيمة فى تاريخ اللعبة، مواهب ترفض الانصياع أمام التماثل الإجبارى الذى يسعى رأس المال إلى فرضه على الجميع، يوجد ميسى ورونى وكرستيانو رونالدو وبوفون وكاكا وهيرنانديز وغيرهم، من الذين يستطيعون الانتصار للجانب الطفولى فى اللعب، عندما كانت البشرية فى طريقها للتحرر بعد الحرب العالمية الثانية كانت لديها رغبة عارمة فى إحراز أكبر عدد من الأهداف، كانت تلعب بخطط هجومية تشير إليها نتائج المباريات، مع الحرب الباردة دافعت باستماتة حتى لا تدخل فيها أهداف، أما الآن أنت لا تعرف هل هى تهاجم أم تدافع؟، دخل رأس المال لمحاصرة الروح الطفولية التى تدفع الناس إلى اللعب، دخل لكى يسوق منتجاته فى الملعب وعلى قمصان اللاعبين، أنت الآن فى أفريقيا التى أشار لاعبوها المحترفون فى أوربا إلى الموسيقى القادمة من المستعمرات القديمة، إلى الشعر والبداهة وحسن التصرف والرقص، قرر أولو الأمر أن تكون مسرحا للحدث، رغم التخوفات الأمريكية (المعروفة) من الإرهاب، لأول مرة لم يحتف الإعلام بالجوهرة بيليه وتوقعاته التى لم تكن صائبة فى يوم من الأيام، احتفى بماردونا الذى مازالت أسطورته تتشكل، والذى يقود الأرجنتين كمدرب، مارادونا الذى حاربه هافيلانج وتابعه بلاتر وأمريكا لأنه أراد أن يؤسس نقابة للاعبين، لكى يتقاسموا أرباح الاستعراض التى تضعها الفيفا فى جيبها، ولأنه صديق فيدل كاسترو، فى مونديال 2002 طالب بوش بلاتر بتغيير قوانين اللعبة حتى يحبها الأمريكيون، وأن يزود اللاعبون بخوذات وبفترات راحة أكثر لإفساح المجال أمام الإعلانات، وأن يقام المونديال كل عام، وأن يتم تغيير اسمها إلى «سوكر»، لأنه - كما قال - لا يعرف الفرق بين التسلل والضربة الركنية، الإدارة الأمريكية لا تعرف حاجة البشرية إلى هذه اللعبة، التى تتحقق فيها العدالة «المستحيلة»، أحد عشر لاعباً أمام مثلهم، كل طرف له ما للآخر وعليه ما عليه، المخطئ يعاقب، وأمام الجميع، فى جنوب أفريقيا لا أحد يستطيع أن يعرف إلى أين سيأخذنا الجسد البشرى، وما هى حدود البداهة، ولكن المؤكد أننا أمام «بطولة» مختلفة.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة