حسنا فعلت مصر بقرار فتح معبر رفح، ونتمنى أن يستمر فتح المعبر بشكل دائم حتى لا نشارك فى حصار أشقائنا الفلسطينيين، لكن هذا لا يمنعنا من أن نواصل مطاردة المجرمين فى إسرائيل على جريمتهم ضد الإنسانية بقتل الأبرياء فى قافلة الحرية. ولم نكن فى حاجة لكل هذا الجدل لنجد المعبر مفتوحا، لأنه حق خالص لمصر، لكن ربما كنا فى حاجة إلى الجريمة الإسرائيلية حتى نفعل ما علينا فعله. مع العلم أن معبر رفح نافذة، بينما نحتاج لفتح الأبواب التى يغلقها العنصريون فى إسرائيل.
لقد جاءت الكثير من ردود الأفعال العربية والمصرية الشعبية تجاه الجريمة مكررة، ومتطابقة مع ردود أفعال سابقة التجهيز، تحقر من الذات، وتهجو الضعف وتهدد بلا عقل، نحن ضعفاء لأننا لا نجيد استخدام الأوراق التى فى أيدينا. نستسلم لحالة الشتيمة السهلة للذات، ونبالغ فى إظهار مشاعر الغضب والحزن بلا فاعلية أو نتبنى مواقف نزايد بها على أنفسنا وعلى غيرنا. اعتدنا أن نصعد برد الفعل إلى أعلى الدرجات ثم ننصرف إلى أحوالنا. وأن نلوم أنفسنا ونقلل من الأوراق فى أيدينا ونلطم ونصرخ ثم ننسى كل هذا.
الجريمة الإسرائيلية ضد قافلة الحرية تكشف عن ضعف وأحيانا خوف، بالرغم من ادعاء القوة. إسرائيل قتلت أبرياء عزل، وهى جريمة تكفى وحدها لإدانة كيان عنصرى، وأيا كان حجم الانحياز الدولى لإسرائيل فلا يوجد من يدافع عن هذه الجريمة.
وبدلا من تكرار مواقف مجانية يفترض أن تنطلق حملة واسعة ومستمرة للتأكيد على الجريمة ونشر نتائجها. ولا يمكن الاستهانة بحملات منظمة فى الإعلام، ومخاطبة الرأى الدولى. الجريمة الإسرائيلية ضد الأبرياء فى قافلة الحرية دليل خوف، كما أن استمرار حصار الفلسطينيين فى غزة دليل آخر، والرعب من العزل أكثر من الرعب من المسلحين، لقد كان رد الفعل الدولى من صورة الطفل محمد الدرة الذى اغتالته إسرائيل أضعاف رد الفعل على حروب أوسع، لأنها جريمة خالصة، ولا نعرف لماذا يستهين البعض بالنضال المدنى الفلسطينى والانتفاضة التى يقوم بها مدنيون وأحيانا تكون أكثر تأثيراً من إطلاق الصواريخ، ولا نقلل من أثر الكفاح المسلح، لكن فى مواجهة جيش مجرم مثل الجيش الإسرائيلى يمكن هزيمته بالانتفاض وبالحملات الموحدة بشرط توحيد الجهود.
وفى كل مرة نمارس الغضب ضد جريمة اسرائيل نفعل هذا وكأننا نفعله للمرة الأولى، لا تراكم ولا غيره، وكان المفترض أن يواصل الفلسطينيون والعرب الدعوة لمحاكمة مجرمى الحرب الإسرائيليين فى جريمة غزة، لكن الجميع توقف بعد أن استنفد طاقته فى الصراخ وتحقير الذات.
ونظن أن فتح معبر رفح بشكل دائم خطوة مهمة وجيدة، ولا تحتاج إلى أن يستسلم البعض لحالة إهانة الذات، ويخلط بين معارضته الداخلية للتسلط فى مصر وخطوة مثل فتح المعبر يفترض أن تستمر، وأن نساند استمرارها بلا مزايدات أو صراخ مستمر، ففتح المعبر ليس مثل إغلاقه.
وفى الجانب الفلسطينى، فإن المصالحة ضرورة حياة بالنسبة للفلسطينيين، ففلسطين أهم من فتح وحماس، والتفرغ للصراع على سلطة ناقصة يفيد إسرائيل، التى تستفيد من هذا الوضع وتغذيه. لا نحتاج إلى خطب ونصائح عن أهمية الوحدة لكننا نحتاج إلى أن نتعلم الغضب الذى يتجاوز الصراخ. لقد اختصرت ردود الفعل فى إهانة الذات وهجاء الضعف. دون التفكير فى كون المجرم الإسرائيلى عنيفاً عنف لص يخاف من ضحاياه.
الفلسطينيون العزل مصدر قلق ورعب لعدوان إجرامى، بشرط استمرار حملات ملاحقة المجرمين على جرائمهم، ومع فتح معبر رفح، وبدلاً من استمرار حالة الهجاء المريح يجب أن يتم استغلال هذا لمد خطوط المساعدات للشعب الفلسطينى والدعوة بنفس قدرة الهجاء إلى مصالحة تستبعد محترفى السلطة، واستبدالهم بمن يستطيع المنافسة دون تصادمات، وأن يتم توظيف الجريمة، للسعى إلى فتح حدود غزة، لأن رفح نافذة، لكن الباب مغلق، والباب هو مداخل ومخارج غزة من البر والبحر. الأمر يحتاج على سعى دائم، على طريقة المحامين. فى كل الاتجاهات، ومهما كان الانحياز لإسرائيل فإن فضح العنصرية والإجرام الإسرائيلى ممكن، لماذا نخجل من الكفاح القانونى الدائم، مع أننا لا نخجل من غضب مجانى لا يفيد.