زمان كان المثل "مولد وصاحبه غايب"، لكن الأمر اختلف وتطورت الدنيا، وأصبح الفساد أكثر منهجية واتساعا وعمقا وطولا وعرضا وارتفاعا، أراضى يتم توزيعها بلا حساب ورجال أعمال سفلية حققوا ثرواتهم من الاتجار فى أراضى الدولة، وبعد أن كان هناك من أثرى من الدعم وتاجر فيه هناك من أثرى من إلغاء الدعم أو إعادة توزيعه، وباع أرض الدولة لنفسه، ثم للدولة، فى عمليات لا تنقصها الصراحة ولا يقلل منها الخجل.
الفساد الشائع هو حصول موظف عام على رشوة من صاحب أعمال خاص لتسهيل عمله. لكن الفساد عندنا تطور حسب تطور العالم، وأصبح هناك الموظف العام الذى يرتشى من شركات عالمية لتسهيل أعمالها فى مصر، وهو ما علمناه من رشوة مرسيدس الشركة التى دفعت لموظفين عموميين ليساعدوها فى تسويق منتجها من السيارات فى مصر، ومازلنا رغم مرور الأيام والأسابيع نجهل الاسم ويقسم مجلس الشعب وتقسم الحكومة أنهم لن يتستروا على " اللى مايتسماش" الحاصل على رشوة مرسيدس. ومع أن لدينا والحمد لله عددا لابأس به من الأجهزة الرقابية وأجهزة الأمن "الصاحية"، فإن أحد لا يريد إعلان اسم مرتشى مرسيدس الذى لم يخجل من تلقى الرشوة لكن الحكومة ومجلس الشعب يخجلان من إعلان اسمه. وقبل أن يتم الإعلان عن مرتشى مرسيدس علمنا برشوة شركة الحديد الألمانية لمسئول أو مسئولين فى الحكومة والنظام من أجل تسهيل مهمتها.
وهاتان الرشوتان هما فقط ما استطعنا أن نعلمهما، وبالمصادفة فإن الإعلان تم من الشركات الأجنبية وليس من عندنا، ولا نعرف كم رشوة وكم تواطؤا تم خلال السنوات الماضية فى صفقات مختلفة.
وبتطبيق تلك القاعدة على صفقات الخصخصة وبيع أراضى الدولة، نكتشف أن هناك من أثرى على نفقة الدولة، اشترى أراضى الدولة وباعها للدولة أو للناس مع أنه لم يدفع فيها مليما، ورأينا كيف ذهبت أراضى الجزر النيلية أو أراضى الطريق الصحراوى والزراعى بشكل مؤكد لوزراء أو رجال أعمال شركاء فى السياسة وصناعة القرار، ومن المفروض أن لدينا العديد من الأجهزة الرقابية والأمنية فضلا عن الجهات القانونية التى مهمتها تحرير عقود نيابة عن الحكومة أو الدولة، هذه الأجهزة نامت سنوات أو تواطأت. فى صفقات البيع. كم رشوة دفعت فى الخصخصة ومقابل كم. ومن حصل عليها..
وإذا كنا علمنا برشوة مرسيدس أو الرشوة الألمانية بالمصادفة وبمناسبة تحقيقات هناك فى الخارج، فربما لا نعرف شيئا عن رشاوى وعمولات وسمسرة فى الخصخصة والتصفية، وحتى لو علمنا مثلما علم مجلس الشعب فهل سيتحرك أحد؟! لا نظن، والدليل أن مجلس الشعب والحكومة والجميع لا يريدون أن يجرحوا شعور المرتشى فى مرسيدس أو الألمانية، خوفا على مشاعرهم التى تبدو أهم من أموال الدولة. خاصة وأن لبعضها علاقة بالحزب الوطنى الذى هو" من أجلك أنت".
وإذا انتقلنا إلى موضوعات العقود ومنح أراضى الدولة لرجال الحزب أو رجال أعمال الحزب بتراب الفلوس، وأن الذى منح الأراضى هى الحكومة وزير الإسكان بمعرفة رئيس الحكومة، فهل كانت الدولة حاضرة وشاهدة. فى عقد مدينتى الذى قضت محكمة القضاء الإدارى ببطلانه، أو جزيرة آمون لم يكن صاحب المولد غائبا، بل كان حاضرا ومتواطئا وفاسدا.