حتما سيصل القضاة والمحامون إلى نقطة تعبر عن توازن القوى بينهما، فكلاهما استخدم كل ما يستطيعه من أوراق ضغط. المحامون لجئوا للإضراب والاحتجاجات السلمية، والقضاة استخدموا صلاحيتهم التى منحها لهم القانون، وعلى رأسها سجن المحامين المتهمين فى طنطا، والحكم من أول جلسة بسجنهما خمس سنوات.
لكن المشكلة هى أن أى بروتوكول أو اتفاق بينهم سيكون تعبيرا عن توازن القوى الآن، وليس عن توازن الحقوق، ولن ينهى جوهر المشكلة، وهى إلى من يتم الاحتكام فى حالة الخصومة مع القضاة، فالبديهى فى الحياة أنه من المستحيل قبول أن يكون شخص أو جهة هى الخصم والحكم، فهذا يدمر جوهر العدالة.
هذا لا يعنى بالطبع التشكيك فى نزاهة القضاة، ولكنهم مثل كل الفئات فى المجتمع، فيهم من يسىء استخدام السلطات التى يمنحها له القانون والدستور، مثل أن هناك صحفيين يسيئون استخدام كونهم سلطة رقابية على كل مؤسسات المجتمع.
الكلام الدائر الآن حول أن هذه القلة الشاذة من بين القضاة أو المحامين، لن تؤثر على العلاقة بين جناحى العدالة، هو نوع من تطييب الخواطر لن يحل ولن يربط، بل دعنى أقول إنه يريد دفن الأزمة الآن، ولكنها ستنفجر حتما فى وجوهنا مرة أخرى فى أى ظروف مواتية.
ثم أن القوانين والدساتير لم يضعها الإنسان من أجل الأغلبية، ولكنه وضعها من أجل القلة الشاذة حتى لا تفسد المجتمع. وبالتالى لابد فى تقديرى، أولا أن يكون هناك بروتوكول ينهى الاحتقان بين القضاة والمحامين، لكن دون أن نخفى مشاكل ومشاعر حقيقية موجودة مثل شعور المحامين باستعلاء القضاة عليهم، وشعور بعض القضاة أنهم أصحاب سلطة تمكنهم من أن يفعلوا ما يشاءون، وشعور كثير منهم بالغبن والظلم لأنهم يعملون فى شروط صعبة لا تحظى بتقدير كاف من المحامين ومن الدولة، بل والمجتمع.
لكن هذا البروتوكول أو الاتفاق بين جناحى العدالة لن ينهى جوهر المشكلة، أو يجيب على السؤال الأهم فى هذه الأزمة: لمن نحتكم عندما تكون هناك خصومة مع القضاة؟
ألا نحتاج إلى تعديل تشريعى ينص على وجود هيئة مستقلة تحكم بين الطرفين؟
أظن ذلك، وأظن أننا نحتاج إلى حوار واسع لوضع آليات لتأسيس هذه الهيئة التى تحكم بيننا وبين القضاة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة