أعترف أننى أشعر كثيرا بالتعاطف مع الدكتور محمود محيى الدين وزير الاستثمار فى حيرته مع مشروع الصكوك الشعبية الذى طرحه فى نوفمبر 2008، وقدمه بوصفه الإنجاز الأعظم لوزارته، وبشر مواطنى مصر بأنهم سوف يصبحون ملاكا، لكل منهم صك ملكية فى القطاع العام. يومها كتبت عن أبو الصكوك المواطن العشوائى، وهو يتخيل نفسه مالكا ويريد صكه فى مستشفى أو أتوبيس. الحكومة هللت يومها للفكرة التى سرعان ما راحت وظلت السكرة.
تعرض مشروع الصكوك لهجوم وسخرية دفعت صاحبه للتراجع عنه، لكنه لم يكل ولم يشعر بالملل وأعاد طرح مشروع الصكوك أو الملكية الشعبية بأكثر من شكل، وفى كل مرة ينتهى إلى لا شىء، وكلما قدمه يرتد إليه، دون أن يفقد الأمل، محمود محيى الدين ورث مع وزارة الاستثمار عبئا ثقيلا وتجربة فى الخصخصة أنهت القطاع العام دون أن تقدم بديلا، ومازلنا نتابع قصص السمسرة والفساد التى شابت مشروع الخصخصة الذى بدأ على أيدى حكومات الحزب الوطنى وبشروا بأن مصر من خلاله ستنتقل من الاقتصاد الموجه إلى الاقتصاد الحر، لكن ما جرى هو انتقال الشركات إلى رحمة الله، والعمال للشارع، ولم يتحقق اقتصاد حر ولا نصف حر.
استند المخصخصون على تجارب دول مثل بريطانيا أو فرنسا نقلت المرافق العامة إلى القطاع الخاص، نجحت بريطانيا فى خصخصة بعض مرافقها العامة، لأنها لم تحول الخصخصة إلى عملية سمسرة ونصب وتلاعب، وعندما فشلت بعض تجارب خصخصة الخدمات، لأعادوها بلا خجل للدولة، بعد تقييم التجربة، لأن المشكلة ليست فى الملكية لكن فى الإدارة.
لكن عندنا كانت مجرد التخلص من القطاع العام لذاته دون تصور لمستقبل الشركات أو العمال، وما يزال ملف الخصخصة مفتوحا بكل بلاويه، وداخل مجلس الشعب رأينا اتهامات واضحة من نواب مثل الدكتور زكريا عزمى والدكتور مصطفى السعيد وآخرين تحدثوا عن مليارات راحت للسمسرة، وعمليات فساد وتلاعب، فى عهد الدكتور عاطف عبيد، لكنها بقيت اتهامات للفرجة وليس للفعل، ومازالوا يمصمصون الشفاه، ويصرخون "حرامية"، دون أن يفعلوا أكثر من هذا.
أما الدكتور محمود محيى الدين ورث تركة مثقلة بالفساد، ومرارة من تجربة عمر أفندى، ومشكلات عمال شركات مثل أمونسيتو والمعدات التليفونية تطارده حتى لو لم يكن طرفا فى بيعها.
وتصور محيى الدين أن مشروع الصكوك سيكون منقذا من ضلال سابقيه، لكنه تاه وغرق واختفى ومازال محمود محيى الدين يعيد صياغة مشروعه ويدفع به مثل طرح الشركات فى البورصة، وهو آخر اقتراح ما يزال غير قابل للفهم، حسب رأى أعضاء اللجنة الاقتصادية فى مجلس الشعب. ويبدو أن مشروع محيى الدين الجديد سيلحق بسابقيه، لأنه يدور فى نفس الدائرة المفرغة، لأنهم تعاملوا مع القطاع العام على أنه عبء وليس ثروة قابلة للتسييل، وتعاملوا مع الشركات كأصول وجدران ونسوا البشر، محمود محيى الدين وزير طموح، لم يثبت تورطه فى فساد أو مخالفات، لكن صفقة عمر أفندى ما تزال تثير الجدل،
ويبدو فى حاجة إلى تغيير مشروع الصكوك، وتغيير السؤال: "تتخصخص ولا تنام خفيف؟" وقبل الصكوك، يفترض أن يحاسب كل من سمسر أو تربح على قفا الملكية العامة.