تطوير التعليم لا يتم بدون تطوير المعلم، وتطوير المناهج لا يمكن بدون مساندة المدرسين، ولو كنت من وزير التعليم أحمد زكى بدر لاستمعت جيدا إلى أصوات المعارضين والمعلمين فى كل مكان وصرخاتهم التى أصبحت تعلو كل يوم.
ولا يمكن اعتبارهم أعداء أو كائنات من كواكب أخرى، وطالما الوزير فى يده العقاب فيفترض أن يكون الثواب بيد أخرى حتى لا يختل ميزان العدالة، لكن المشكلة أن خطاب الوزير يضيع الكثير من التعاطف مع خطواته نحو الحسم، ويفترض لأى وزير أن يحاول كسب مؤيدين لسياساته وألا يعادى الجميع ويبدو مبسوطا من الهجوم عليه.
وهذه الأصوات المعارضة والغاضبة، مع أنها تبدو ضد الوزير، إلا أنها مع التعليم. ويمكن أن تفيده كثيرا لو أنصت إليها بصدق وليس اعتبار كل من يعترض من الأعداء.
وفاة عدد من مراقبى الثانوية العامة أثار حزن وغضب زملائهم الذين وجدوا أن المعلم مهمل، خاصة بعد تعامل المستشفيات مع المراقب المتوفى فى سوهاج بإهمال، فقد رفض المستشفى استقباله بدعوى تعليمات الوزير بأن علاج المعلم يتم بالتنسيق بين الصحة والتعليم، وبسبب هذه البيروقراطية مات المعلم بلا دية، والغريب أن زكى بدر عندما سئل عن ذلك قال إن المراقبين المتوفين لم يقدموا اعتذارات، مع أنه هو نفسه الذى رفض الاعتذارات ونبه على ذلك. ثم إنه قال إن 13 مراقبا توفوا عام 1996 ولم يثر أحد أزمة، ويبدو هنا وكأنه يدافع عن مقتل المعلمين بينما يفترض أن يستغل الفرصة ليدافع مرة واحدة عن المعلمين الذين يواجهون معاناة مزدوجة.
ويرفض الوزير تحمل مسئولية وفاة المراقبين، بينما هو الوزير المسئول، وهل هو مسئول فقط عن عقابهم، أم أن وفاة معلم هى مسئولية وزارة التربية والتعليم، ووزيرها وليس غيره، فهو المسئول عن مراعاة ظروفهم والدفاع عنهم طالما هو الذى يعاقبهم. ومن الملابسات نكتشف أن هؤلاء المعلمين لم يقتلوا أنفسهم، بل ماتوا من التعسف والإهمال.
ولو كنت مكانه لأقمت تكريما للمراقبين الخمسة أو الستة الذين سقطوا شهداء للثانوية العامة، وفقدوا أرواحهم فى ساحة التعليم، وأن يسعى لصرف معاشات استثنائية لأسرهم ويستقبل هذه الأسر و"يطبطب" على أكتاف أبنائهم، بدلا من المكابرة والتصريحات التى تفقده أى نوع من التعاطف مع سياساته. الحسم والحزم والمعارك ضد التسيب لايمكن أن تتعارض مع الإجراءات الإنسانية والاهتمام بالمعلمين الذين يمثلون الأعمدة التى يقوم عليها أى إصلاح للتعليم.
وإذا كان الدكتور زكى بدر أعلن أنه سوف يستعين بالدكتور فاروق الباز لتطوير منهج الفيزياء، فربما لايعلم الوزير أن الدكتور الباز عالم فى الجيولوجيا، وليس فى الفيزياء، لكن الاستفادة بالعلماء لتطوير المناهج أمر محمود لكنه يتطلب تطوير المعلم وتدريبه بالبعثات الداخلية والخارجية حتى يمكنه مجاراة التطور العلمى، واستيعاب المناهج.
المعلمون فى النقابة المستقلة لهم مطالب، لكن الوزير يصر على نفى أى علاقة لهم بمنظومة التعليم.مع أنه لو كان صادقا فى رغبته فى تطوير التعليم ربما أقام معهم حوارا وتخلى قليلا عن الطريقة التصادمية، فهؤلاء معلمون ولهم مطالب والحوار معهم يفيد الوزير ويقدم له تصورات ربما تغييب عنه فى دائرته الضيقة. ولا أعرف لماذا يعتبر المسئول الحوار مع مواطنيه نوعا من الضعف والتراجع، ومن قال للوزير إن هؤلاء لا علاقة لهم بالتعليم. ومن قال إن الحسم يعنى أن يظل الوزير متجهما يركز على العقوبات دون أن يبحث فى الإمكانات ويستمع لشكاوى المعلمين.
هناك أزمة فى الإدارات الفردية والديكتاتورية، إن الديكتاتور يظن نفسه الوحيد الذى يعرف ويفهم، مع أن الدول العظمى والمتقدمة تستمع للجميع.وليحاول الدكتور أحمد زكى بدر أن يقيم حوارا مع المعلمين وأن يستمع إلى أصوات نقابة المعلمين المستقلة، لأنهم ليسوا من الفضاء ولا من الأعداء.